وخلع بروز مشرف زيه العسكري، استجابة لطلب كونداليزا رايس، ليبقى عليه ان يجري انتخابات لا باس ان تكون على شاكلة معظم الانتخابات التي يجريها تلاميذ الديمقراطية المتامركين في منطقة الشرق الاوسط. انتخابات تتقرر فيها سلفا اسماء النواب، ويترك بينها بعض المعارضين، الشكليين ممن يخدمون النظام اكثر من جماعته، والحقيقيين ذوي اللا حول ولا قوة. وهكذا تكون الولايات المتحدة قد ظهرت امام العالم بمظهر من لا يتساهل مع حلفائه امام ضغط المطالب الشعبية، ويكون مشرف قد استجاب لما يمكن ان يسقط اهم حجج خصومه في البلاد. واذا لم تؤد الامور به الى النجاح فبناظير بوتو جاهزة لمتابعة دوره مع فارق مهم هو تمتعها بقوة شعبية كبيرة وعريقة. اما هو فلن يبكي عليه سادته باكثر مما بكوا على السادات!
لم يخلع مشرف زيه العسكري ليعود الى الزي الباكستاني التقليدي، كما نواز شريف وكل حكام الباكستان السابقين، ولكن ليرتدي بذلة وربطة عنق غربيتين. ولم يكن تبديل الزي من خارج بهذا الشكل المسرحي الا نموذجا لكل التغيير الذي يعمل عليه الاميركيون في العالم العربي والاسلامي، وان تحت شعارات جذابة كالديمقراطية والحرية وحقوق الانسان.فالفصل الاول من المسرحية كان يحتاج لرهبة العسكر للمساعدة في انجاز الدور العسكري في افغانستان وباكستان، اما الفصل الثاني فيحتاج الى خبث الديبلوماسية لامتصاص غضب الناس، والحد من التفافهم حول قوى المعارضة الحقيقية.لان هدفا اساسيا يرتسم بعناد، الا وهو عدم وصول جماعات متشددة في عدائها للاميركيين الى استلام السلطة في بلاد السلاح النووي الاسلامي الوحيد. وعدم وصول قوى قابلة للتحالف مع المعارضة الافغانية التي لم تعد قوى طالبان فيها تعني فقط الطلاب المتشددين كما كان الامر في السابق بل اتجهت بشكل اوضح واقوى الى تمثيل القبائل القوية ومصالحها المتناقضة مع نظام كابول.
اعادة توزيع جديدة للمعزوفة الباكستانية السابقة، او صيغة اخراج جديدة للعلاقة الاميركية الباكستانية ومع حلفائها من حول افغانستان. فكيف ستنعكس على توزيع المعزوفة العربية، واخراج المسرحية الدائرة حول وداخل العراق؟
هل سيطلب الى الحلفاء ( او العملاء) العراقيين تغيير زيهم، في الوقت الذي يعد البديل المتمتع اكثر برضى الشعب؟ ام ان هذا الطلب سيوجه بشكل مباشر الى حلفاء حول العراق؟ واذا ما قلنا ان الزي على جسد الحكام العراقيين لم يكن منذ الاحتلال عسكريا كي يستبدل بمدني غربي، فان العكس يمكن ان يظل احتمالا مطروحا، اذا ما وجدت واشنطن المجموعة العسكرية التي يمكن ان تضبط لها البلاد اكثر. هذا اذا اصبحت لها مصلحة في ضبط البلاد، على عكس ما هو الحال الان. اذ ان ابلغ مثال ناجح لنظرية الفوضى الخلاقة، هو هذا العراق، حيث نفعت الفوضى الدموية والمدمرة في تحقيقيق الاهداف الرئيسية للغزو: سرقة النفط، تثبيت القواعد،، وتدمير القوة الكبرى المعادية لاسرائيل.
اما حول العراق فقد عشنا مسرحيات الدمقرطة، كمسلسل عربي فاشل، واتحفنا حديثا عن الحريات و حقوق الانسان عندما تحتاج السياسة الاميركية لهذا الحديث، وتجاهلا لكل التجاوزات عندما يحتاج الامر الى الصمت، وترك المكلفين يقومون بما يلزم. اما لخدمة اسيادهم، واما لغايات خاصة بهم يسمح لهم بها، مرة لقاء تنازلات وخدمات، ومرارا لكي تعمق الاحقاد والكبت، ودائما لكي تحفظ كلها في الملف الى وقت حاجة التهديد بها، او اشعالها.
لكن النتيجة الوحيدة الثابتة، في كل التجارب، انه، حتى الاميركيين يضطرون الى الاستغناء عمن يستغني عنه ناسه، والى التفاوض مع الذي يستند الى تاييد شعبي، او القبول به. درس لا يبدو ان حكام العالم الثالث اجمالا، وعالمنا العربي خاصة، يفهمونه.