من أوروبا، الجزيزة: حقيقة وخلفيات اتهام فرنسا باللاسامية

برامج حوارية، 11-04-2005

مقدم الحلقةأحمد كامل

ضيفا الحلقة– بلال الحسن/ كاتب صحفي – حياة الحويك/ كاتبة ومحللة

– فرنسا بين هاجس اللاسامية ومشكلة العنصرية

– الهجرة وتأثيرها على معاداة السامية
– العلاقات الإسرائيلية الفرنسية والموقف العربي

أحمد كامل: أهلا بكم إلى حلقة جديدة من برنامج من أوروبا أقدمها لكم من العاصمة الفرنسية باريس، فرنسا متهمة حكومة وشعبا بأنها تكره اليهود وبأنها لم تعد مكانا آمنا لعيشهم إلى درجة أن طالب البعض بهجرة اليهود من بلاد المساواة والحرية للعيش في إسرائيل، التحقيق التالي من إعداد الزميلين لبيب فهمي وعياش دaراجي يستعرضوا ما يُسَمَّى بظاهرة تصاعد العداء للسامية في فرنسا.

فرنسا بين هاجس اللاسامية ومشكلة العنصرية

[تقرير مسجل]

لبيب فهمي: تهمة معاداة السامية حلَّت محل وباء الطاعون في السيطرة على هاجس الأوروبيين، فالوباء الذي فتك بالملايين كان يدفع بالسلطات كما بالمواطنين العاديين إلى اتخاذ إجراءات تجاه المصابين تشبه في الكثير من نواحيها التعامل مع المتهمين بمعاداة السامية في وقتنا الحاضر، الإهانة العلنية وضياع الحياة المهنية والعائلية والعار الذي يلاحق الأجيال التي تربطها صلة بالمتهم من بعيد أو قريب ورغم ما توحي به العبارة من معاداة كل من ينتمي إلى سلاسة سام بن نوح بمن فيهم العرب وشعوب أخرى إلا أن العبارة قد خضعت لعملية خصخصة تاريخية.

إليزابيث شيملا– باحثة وناشطة في مجال معاداة السامية: معاداة السامية مصطلح رأى النور في أوروبا لتعريف مسألة محددة تتعلق بكراهية اليهود لأنهم يهود وهناك تعبيرات راديكالية عن هذه الكراهية وصلت حد المطالبة بإبادة الشعب اليهودي.

لبيب فهمي: أما التفسير التاريخي فيختلف كثيرا، فالمقصود بالساميين بحسب التقسيم التوراتي للأجناس هم سلالة سام بن نوح في مقابل الحاميين واليافتيين ليصبح عداء الشعوب الحامية واليافتية للساميين عداءً للسامية، أما مصطلح معاداة السامية فقد رأى النور في نهاية القرن التاسع عشر في ألمانيا للتمييز بين العرق الآري الأوروبي والعرق السامي في وقت كانت فيه الحملة ضد اليهود في أوجها في هذا البلد بلغت حد المطالبة بطردهم منه، ظهور المصطلح سبق إذاً ليس فقط قيام دولة إسرائيل بأكثر من نصف قرن بل وأيضا انعقاد المؤتمر الصهيوني بمدينة بال السويسرية، فالعداء لليهود داخل المجتمعات الأوروبية يعود إما لأسباب دينية محضة تتعلق باتهام المسيحيين اليهود بقتل المسيح عليه السلام أو لإشاعات حول محاولة اليهود السيطرة على الحياة الاقتصادية في المجتمعات الأوروبية، اعتقاد أدى إلى مجازر ومحاكم للتفتيش وممارسات عنصرية في حق اليهود ووصلت في عهد الحكم النازي إلى حد المحرقة، مآسي انسلت إلى الوعي الجماعي الغربي عبر سنوات من الترديد والتكرار في كل المناسبات وسيطرت على وجدانه وكرست إحساس الخطيئة في نفسه، عداء وإحساس استثمرته الحركة الصهيونية لمصلحة الدولة اليهودية وتحول نقد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى نقد لليهود وبالتالي عداءً للسامية ودفعت السلطات الأوروبية إلى سن قوانين وتشريعات تجرِّم هذه الممارسة أو ما يعتبر كذلك.

مديودوني مبالا– كوميدي فرنسي: مأساة استعباد الأفارقة دامت طويلا ورغم أنني لا أسعى إلى المقارنة فإن ذلك يفرض نفسه فالكتب المدرسية لا تتحدث عن معاناة الأفارقة، معاناة لا يعني الحديث عنها التقصير في حق الآخرين والسؤال حاليا هو هل يمكن ضمن أسس علمانية التعامل مع معاناة كل الشعوب على قدم المساواة؟ وهذا المطلب يعتبره البعض معاداة للسامية.

لبيب فهمي: فرنسا تعتبر رائدة في مجال نشاط المجموعات الساهرة على إلصاق تهمة معاداة السامية بكل من تُسوِّل له نفسه بتجاوز خطوط حمر تتغير بتغير موازين القوى، فاللائحة التي تضم شخصيات فكرية وسياسية ومنظمات من مختلف الاتجاهات الأيدلوجية تطول باستمرار، فبعد أن اقتصرت في مرحلة أولى على ذوي الأصول العربية والمسلمة كالمفكر طارق رمضان والناشطين في مجال مساندة الشعب الفلسطيني انتقلت التهم إلى المفكرين والإعلاميين الفرنسيين بمن فيهم من هم من أصول يهودية وتردد هذه المجموعات خطابا يشدد على الخطر الذي يواجه اليهود مرة أخرى في فرنسا والذي يعود إلى أسباب تاريخية وأخرى جديدة.

إليزابيث شيملا: تاريخيا تعتبر فرنسا من الدول التي تبنت رسميا تشريعات معادية للسامية خلال حكم فيشي عام 1942 وحاليا توجد بفرنسا أكبر جالية يهودية في أوروبا والثالثة في العالم بعد إسرائيل والولايات المتحدة، كما تضم فرنسا أهم جالية عربية وأكبر جالية مسلمة في بلد أوروبي.

لبيب فهمي: تحليل لا يصمد أمام نتائج الدراسات الميدانية التي تمت في فرنسا في السنوات الأخيرة حول معاداة السامية والعنصرية والتمييز، فرغم الارتفاع المسجل لممارسات تُصنَّف في خانة معاداة السامية إلا أن العرب والمسلمين إضافة إلى الأفارقة هم الذين يعانون من كل أنواع العنصرية والتمييز سواء في العمل أو في المدرسة أو في الشارع.

مديودوني مبالا: ليس اليهود من يعانون من العنصرية يوميا بل الأفارقة والعرب وذلك عند البحث عن عمل أو مسكن، فهم يعاقبون على جذورهم الأجنبية وللتذكير فكل الأشخاص الذين اغتيلوا لأسباب عنصرية هم أفارقة وعرب فقط.

لبيب فهمي: اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية بالظاهرة منحها بعدا آخر إذ تحول أي حادث إجرامي تعرض له شخص أو محل يهودي إلى جزء من ممارسات معاداة السامية يستحق التغطية والتمديد الرسمي، وضع دفع إلى تضخيم الظاهرة عبر سرد أحداث ثبت بعد ذلك أنها لا تمت بصلة إلى ممارسة معادية للسامية أو أنها أحداث وهمية وهو ما حدث في صيف السنة الماضية عندما ادعت فتاة أنها تعرضت للاعتداء من قِبَّل مغربيين وأفارقة في أحد قطارات العاصمة لاعتقادهم بأنها يهودية، فقبل اكتشاف الخدعة من طرف الشرطة الفرنسية ورغم التناقضات الكثيرة في قصة الفتاة انتفضت الطبقة السياسية الفرنسية للتنديد بالجريمة، جريمة لم تحدث سوى في خيال فتاة كانت تسعى إلى شيء من الشهرة غير أن ذلك لم يضع حدا لنداءات الحذر من تصاعد ممارسات معاداة السامية في فرنسا والحديث عن فشل السلطات في مواجهتها.. ولم تتردد السلطات الفرنسية في إظهار عزمها على مواجهة هذه الظاهرة خلال لقاءاتها بممثلي الجالية اليهودية الذين دلوها على كيفية الوصول إلى الهدف المنشود.

جان كاهن- رئيس المجمع المركزي لليهود في فرنسا: قدمت اقتراحا يقضي باستدعاء عائلات الأطفال المعتقلين بتهم معاداة السامية من قِبَّل القضاة وأيضا من قِبَّل رؤساء البلديات لتلقينهم درسا حول المواطنة سيشكل تأكيدا علنيا من قِبَّل السلطات على قرار القضاة.

جان بيير رافاران- رئيس المحكمة الفرنسية: المبادئ الجمهورية لا يمكن لها أن تتسامح مع معاداة السامية لقد وفرنا كافة الإمكانيات لضمان أمن أماكن العبادة والتعليم ونعمل كذلك على تعزيز القوانين الجزائية لعقاب المجرمين.

لبيب فهمي: حملة التهمة بمعاداة السامية تشارك فيها معظم المنظمات اليهودية الفرنسية بالإضافة إلى المنظمات اليهودية الأميركية بدعم مباشر من السلطات الإسرائيلية التي لم تتردد في دعوة اليهود الفرنسيين إلى الهجرة لتفادي إبادة جديدة وتمكنت هذه المنظمات من فرض مواقفها حتى على المفوضية الأوروبية التي رضخت خلال العام المنصرم لتنظيم مؤتمر حول معاداة السامية في أوروبا ترددت فيه الكثير من العبارات التي تتهم العرب والمسلمين بلعب دور في اندلاع موجه معاداة السامية في أوروبا، مصطلح معاداة السامية تحول إذاً إلى وسيلة للابتزاز لتفادي نقد إسرائيل وسياستها مخافة هذه التهمة القاتلة سياسيا وثقافيا واجتماعيا، ابتزاز أصبح يقلق الكثيرين في فرنسا وأوروبا حتى داخل الجالية اليهودية نفسها.

أحمد كامل: ولتسليط المزيد من الأضواء على ما يسمى بظاهرة تصاعد اللاسامية في فرنسا أستضيف كلا من الباحثة والكاتبة السيدة حياة الحويك والأستاذ بلال الحسن الكاتب والصحفي المعروف، أهلا بضيفي وأبدا بالسؤال الأول مع السيدة حياة الحويك لأسألها هل فعلا أن ظاهرة اللاسامية ظاهرة متأصلة في قلب المجتمع الأوروبي والفرنسي تحديدا؟

حياة الحويك- كاتبة ومحللة: أبدأ بمسألة إحصائية بسيطة جدا صدرت عن الـ (A.F.P) وكالة الصحافة الفرنسية عن أحداث الاعتداءات عام 2000، وكالة الصحافة الفرنسية سجلت عام 2000، 146.. طبعا ليست الـ (A.F.P) التي سجلت الـ (A.F.P) نقلت عن جهات الأمن الفرنسية 146 حالة اعتداء..

أحمد كامل: في فرنسا.

حياة الحويك: وُصفت بالعنصرية واللاسامية، يعني العنصرية قد لا تكون ضد اليهود، أيضا قد تكون ضد العرب ضد السود ضد.. 146 حالة من الـ 146 حالة اعتداء قيل إن هناك 16 جريحا يعني إذاً الحصيلة حصيلة العنف الحقيقي هي 16 جريح، إذا ما قسنا ذلك برقم الاعتداءات أعمال العنف التي شهدتها فرنسا في العام 2000 هناك 114 ألف حالة نقلا عن (A.F.P) أيضا 114 حالة منها 146 حالة اعتداء مما يشكل واحد بالألف، يعني هذه الحوادث هي واحد بالألف التي وُسمت بالعنصرية واللاسامية، في تعليق لناشط يهودي معادٍ للصهيونية هو ديفد باترسون يُحلل ذلك بالقول إنه حتى لو كانت هناك ردة فعل حاليا في بعض المجتمعات الأوروبية فهي تعود لسببين، السبب الأول هو السياسة الإسرائيلية والسبب الثاني هو أن الجاليات اليهودية قد شكَّلت لوبيهات هذا ما يقوله باترسون لوبيهات تحظى بامتيازات تثير غيظ الناس المحرومين كما هو حال مثلا الصينيين في آسيا الجنوبية أو الهندو في أفريقيا هذا تعليق باترسون.

الهجرة وتأثيرها على معاداة السامية

أحمد كامل: تقصدين أن الحوادث ضد اليهود عددها قليل ولكنها تُحدث الكثير من الضجة ولكن هذا الأمر لا يؤخذ على اللوبيهات التي تدافع عن اليهود، من حقهم أن يدافعوا عن الحوادث التي تمسهم، لماذا لا يفعل الآخرون نفس الشيء؟

حياة الحويك: أيوه هنا ندخل على قضيتين أساسيتين مدى التضخيم وردة فعل الآخرين وهذا موضوع منفصل ردة فعل الآخرين، مدى التضخيم أنا لا أعلق فقط على الأحداث التي حصلت حقيقة ولكن إذا عدنا لنحصي كم الأحداث التي حصلت واكتُشف بعد أيام قليلة أنها كانت مركبة، آخذ العام الماضي على سبيل المثال وقد عشته في فرنسا أربع حوادث شكلت الموضوع الرئيسي للضجيج الإعلامي، كشفت الجهات الأمنية الفرنسية على أنها كانت حوادث مُلفقة مُدبرة، أولا الحاخام الذي طُعن وقامت الدنيا ولم تقعد ومن ثم اكتُشف أنه هو الذي طعن نفسه، ثانيا المركز الثقافي اليهودي الذي أُحرق في الحي.. في الدائرة الحادية عشرة ويوم زيارة شالوم ورأينا شالوم ورئيس الوزراء ووزير الداخلية والكل يأتي للزيارة ويستنكر وبعد ثلاثة أيام فقط اكتُشف أن حارس المبنى هو الذي أحرقه.. حارسه اليهودي، الشباب الذي قيل أنهم طُعنوا في إحدى الضواحي الباريسية ومن ثم اكتُشف أن العملية هي اشتباك بين 11 شاب منهم واحد يهودي على سبيل الصدفة والحادثة الأكبر التي شغلت الإعلام الفرنسي من رئيس الجمهورية إلى آخر مواطن هي الفتاة ماريئيل التي..

أحمد كامل: نعم الحادثة المعروفة.

حياة الحويك: التي قالت إنهم اعتدوا عليها وهذه الحادثة ذات دلالة دقيقة جدا لأنها قالت في شهادتها كانوا أربعة شباب اثنين عرب واثنان سود يعني قُصد فيها تشويه الجالية العربية والجالية السوداء وبالتالي..

أحمد كامل [مقاطعاً]: ولكنها ليست سيدة متوازنة نفسيا.

حياة الحويك: لا هذا تبرير، كلما ضُرب المسجد الأقصى في فلسطين يقال لنا بأنه الذي فعل غير متوازن نفسيا وبأحداث الخليل.. هذه ويومها أنا كتبت في مقالي إنه هذه نغمة اعتدناها نحن العرب في فلسطين لأن كل اعتداء كان يحصل هناك كان ينسب إلى شخص مختل عقليا، قيل إنها غير مختلة عقليا عندما كُشفت الأكذوبة ولكننا رأينا استروسكا يخرج على التلفزيون الفرنسي ويقول حتى لو كانت هذه القصة مُلفقة فهناك غيرها ما هو صحيح، نذكر يومها أن رئيس الجمهورية الفرنسي قبل أن يبدأ التحقيق خرج ليُدين هذا العمل البغيض ويستنكر الحادثة ووراءه خرج وزير الداخلية، طبعا هم لهم الحق في الإدانة ولكن كونهم قد بادروا إلى هذه الإدانة العنيفة قبل أن يبدأ التحقيق هذا فيه تدليل على مدى الرعب الذي يصيب المسؤولين الأوروبيين من الاتهام باللاسامية وذلك ما لا يحدث فيما لو كان هذا الاعتداء موجه ضد فتاة عربية أو مسلمة مثلا.

أحمد كامل: دعني أتوجه بالسؤال إلى الأستاذ بلال حسن، هناك عملية جديدة هي ربط هذه الظاهرة رابطة ما يُسَمَّى تصاعد اللاسامية في أوروبا وتحديدا في فرنسا بالهجرة والمهاجرين، لماذا يتم هذا الرد برأيك؟

بلال الحسن- كاتب صحفي: يعني الربط لا يتم باللاسامية يتم بمشكلات اجتماعية تتعلق بالهجرة والمهاجرين والهجرة والمهاجرين أغلبهم ليسوا من اليهود أو 99.9% ليسوا من اليهود بل هم من أقوام أخرى إما من العرب أو من الأتراك أو من البرتغال أو..

أحمد كامل: والأفارقة.

بلال الحسن: والأفارقة وردود الفعل في بريطانيا، في فرنسا، في ألمانيا هي حول هذه الهجرة لأن كل هجرة تولِّد مشكلات اجتماعية وتولِّد ردود فعل طبيعية لدى السكان، لكن هل نَصِف هذه المشاكل وهذه ردود الفعل بالعنصرية أو باللاسامية؟ أنا لا أعتقد أنه علميا يمكن أن نذهب إلى هذا المدى.

أحمد كامل: حتى تقارير الاتحاد الأوروبي يقول بأن الهجرة خاصة القادمة من الدول العربية والإسلامية هي سبب من أسباب زيادة ظاهرة اللاسامية؟

بلال الحسن: يعني بإمكانه أن يقول ذلك لكن هل هذه هي الحقيقة؟ هل العامل الذي يأتي من المغرب أو من الجزائر أو من سوريا أو من لبنان ليعمل في فرنسا أو في ألمانيا أو في انجلترا لمجرد أنه يعيش هنا يتحول إلى لا سامي؟ الاتهام يحتاج إلى تفسير وتبرير، يعني مناقشة القضية بهذه الطريقة لا تؤدي لا إلى اتهام صحيح ولا إلى تبرئة صحيحة، يعني مفترض أن نبحث في المشكلات بأسبابها الحقيقية لكي نصل إلى نتائج حقيقية، أنا أريد هنا أن أشير إلى نقطة هامة منذ تأسيس دولة إسرائيل 1948 إلى السنوات القليلة السابقة نحن نستطيع أن نتحدث على امتداد القارة الأوروبية وعلى مدى ثلاثين أربعين سنة عن موقف أوروبي شعبي كاسح مؤيد لدولة إسرائيل ونستطيع أن نتحدث عن مواقف حكومية أوروبية شاملة بتأييد إسرائيل وبتقديم الدعم المالي الذي مكَّنها من بناء كل بنيتها التحتية، هناك شيء حدث في السنوات القليلة الماضية ضد دولة إسرائيل في كل أوروبا.

أحمد كامل: ما هو هذا الشيء؟

بلال الحسن: هذا الشيء هو انتقاد لسياسات إسرائيل بالاحتلال، بسياسة حكومة شارون التي رفضت مبدأ الحوار في ظل توافق عالمي حول الحوار وأصرت على الحل بالقوة والبند الثالث الحملة التي قادتها الحكومة الإسرائيلية ضد أوروبا عامة وضد فرنسا بشكل خاص لاتهامها بالنازية ردا على انتقاداتها لحكومة إسرائيل وأريد أن أقول شعوري ومعرفتي ومراقبتي تؤدي إلى نتيجة تقول إن رد الفعل المواطن الفرنسي ضد حكومة إسرائيل وسياسة حكومة إسرائيل إذا كان مقداره 30% عندما وُجِّه له الاتهام بأن هذا الانتقاد بأنك لا سامي تضاعف، تضاعفت هذه النسبة إلى 60% و70%، رد الفعل الفرنسي تجاه اتهامه باللاسامية كان أقصى من انتقاده لحكومة إسرائيل وسياستها تجاه الفلسطينيين والعرب.

أحمد كامل: ما يُسَمَّى بمراصد اللاسامية ومراصد العنصرية تربط أيضا التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني والتحركات المؤيدة للشعب الفلسطيني بظاهرة اللاسامية وبحوادث حصلت مضادة لليهود أو بعض الشعارات التي أُطلقت ضد اليهود في تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين.

بلال الحسن: فيه شيء عالمي اسمه نشاط تأييد للحرية في العالم بأكمله، هذا النشاط تميَّز به هذا القرن، هذا القرن هو قرن الاستقلال في العالم بأكمله، هو قرن القضاء على الاستعمار، هو قرن الحركات التقدمية التي وقفت ضد بلدها بسبب الاستعمار وأيَّدت كل حركة وطنية في بلد آخر يدعو إلى التحرر من الاستعمار وإلى رفض الاحتلال وإلى الاستقلال، هذه سمة العصر وسمة القرن، عندما يتعلق الموضوع بالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة نأتي لنقلب هذا التاريخ، يعني لا يوجد منطق بهذه المسألة يوجد حملات إعلامية ضاغطة لكن يفتخر كل فرنسي بأنه أحيانا وقف ضد بلده تأييدا لاستقلال الجزائر، الآن تأتي لتقول له لأنك تؤيد أو تنتقد كذا أنت أصبحت لا سامي وعنصري؟

أحمد كامل: هم يقولون.. هذه المراصد تقول إن انتقاد إسرائيل شيء مباح ومسموح ويحصل كل يوم ولكن هم ينتقدون التصرفات التي هي مناهضة لليهود كيهود وهناك بعض التصرفات فعلا في هذا الاتجاه، أنت كفلسطيني ماذا تقول في هذه التصرفات؟

بلال الحسن: عندما يكون هناك أي تصرف فردي أو جماعي ضد شخص لأنه يهودي فأنا أُدين هذا التصرف إدانة فردية وإدانة أخلاقية وإدانة سياسية، أُدينها من موقعي العربي والفلسطيني وأيضا فكريا لا أقبلها حتى في مجتمع أوروبي ولكن يجب أن نلاحظ.. أنا أعيش في فرنسا أنا لم ألحظ في يوما ما في مؤسسة ثقافية في مؤسسة تصنع الرأي العام في مؤسسة تصنع الفكر تصنع الأدب تصنع الفن لم ألحظ أشياء لا سامية، إذا كان يوجد في الشارع شخص لا سامي يعتدي على يهودي بموقف لا سامي هذا لا يعبر عن فرنسا ولا عن الثقافة الفرنسية ولا عن المجتمع الفرنسي، المجتمعات تصنعها الأحزاب برامج الأحزاب المفكرين كتابات المفكرين الأدباء ما يقولوه الأدباء الفن.

أحمد كامل: ووسائل الإعلام أيضا.

بلال الحسن: ما يعبر عنه، هذا هو الذي يصنع ثقافة المجتمع لنقول هو سامي أو لا سامي.

أحمد كامل: الأستاذ بلال حسن الكاتب المعروف شكرا لكم، أعزائي المشاهدين نواصل هذه الحلقة من برنامج من أوروبا بعد فاصل قصير، ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

العلاقات الإسرائيلية الفرنسية والموقف العربي

أحمد كامل: أهلا بكم من جديد أنتم تتابعون هذه الحلقة من برنامج من أوروبا والتي نقدمها لكم من العاصمة الفرنسية باريس ونناقش فيها ما يُسَمَّى بتصاعد ظاهرة اللاسامية.. وأعود للسيدة حياة الحويك لأسألها عن الاستطلاع الشهير الذي أجراه الاتحاد الأوروبي وأظهر أن 59% من الأوروبيين يعتقدون بأن إسرائيل أخطر دولة على السلام في العالم، في هذا الاستطلاع جاء ترتيب الشعب الفرنسي متأخرا جدا يعني عدد قليل من الفرنسيين نسبيا يعتقد بأن إسرائيل هي أخطر دولة على السلام في العالم ومع ذلك فرنسا هي مُستهدفة مما يُسَمَّى باللوبي المؤيد لإسرائيل أكثر من غيرها، لماذا فرنسا بالذات؟

حياة الحويك: الجواب لا يحتاج إلى الكثير من التمحيص، فرنسا الرسمية اتخذت في السنوات الأخيرة مواقف سياسية محددة من موضوع فلسطين، مواقف سياسية محددة من الحرب على العراق ومواقف سياسية رسمية وشعبية محددة من الانتفاضة الفلسطينية ومن دعم النضال الفلسطيني ولذلك كان لابد من وقف هذا الخط.. هذا الاتجاه بأية وسيلة ووسيلة الاتهام باللاسامية هي أفضل الوسائل، فهذا.. وهذا ما وُضع تحت شعار عدم تصدير الصراع، الشعار الذي سمعناه كثيرا عدم تصدير الصراع في الشرق الأوسط، الشعار في ظاهره جيد ولكن مضمونه الحقيقي عدم تصدير الصراع، يعني عدم اتخاذ موقف من إسرائيل وليس من اليهود، هذا هو السبب الأول، السبب الثاني والأساسي متعلق بمسألة الهجرة.. بمسألة تهجير اليهود الفرنسيين وقد سمعنا في العام الماضي دعوة شارون إلى هجرة اليهود الفرنسيين.

أحمد كامل: هل نجح هذا الضغط؟ هل غيَّرت فرنسا مواقفها؟

حياة الحويك: إلى حد، لنكن موضوعيين إلى حد ما ولكن نتمنى ألا.. أن نكون نحن العرب أكثر ذكاء كي لا نجعل هذا الموقف يتغير أكثر ضد مصالحنا وهنا أُشير بشكل خاص ليس فقط إلى مواقف الدول العربية وهذا موضوع يطول ولكن إلى موقف الجالية العربية في فرنسا التي لا تُحسن التصرف، مثلا في العام الماضي بعد أربع عمليات مُلفَّقة تحدثنا عنها في بداية الحلقة لم تخرج تظاهرة عربية إلى الشارع لتقول كفى عن الكذب باسمنا كفى عن اتهامنا باللاسامية كفى.. بالعكس رأينا تظاهرات تخرج وتشتم الرئيس شيراك وبذلك تدفعه إلى موقف آخر، يعني الجالية أيضا لا تُحسن استغلال ما يُمارس ضدها كما على الأقل كما.. لا نقول كما يتصرف اليهود نحن لا نريد أن نفعل مثل اللوبيهات اليهودية ولكن بتكتيك معين مبني على حقائق، نحن لا نريد أن نكذب لا نريد أن نُلفِّق ولكن على الأقل أن ندافع عن أنفسنا وأن ننتقل إلى الاتهام، لا يكفي أن نخرج مظاهرات مؤيدة لفلسطين وكفى هذا لا يكفي.

أحمد كامل: إذاً السيدة حياة تصر على أن واحد من الأهداف الرئيسية هو هدف سياسي.. التأثير على مواقف فرنسا، هل فعلا نجح هذا الضغط على فرنسا؟ وهل غيرت فرنسا موقفها؟

بلال الحسن: قبل أن أقول إنه نجح وما نجح أنا أؤيد الأسباب التي ذكرتها لكن أريد أن أضيف عليها سببا هاما آخر هو الخلاف الفرنسي الأميركي الذي نشأ في السنوات الأخيرة.

حياة الحويك: صح.

بلال الحسن: في هذا الخلاف إسرائيل.. حكومة إسرائيل انحازت إلى الولايات المتحدة ضد فرنسا في هذا الموقف السياسي وبالتالي حوَّلت المسألة.. أدخلتها في العامل الدولي، يعني أدخلت عنصرا دوليا للخلاف الإسرائيلي الفرنسي، ترافق هذا الشيء مع المزاج الشعبي الأوروبي الذي أصبح مُنتقد بشدة للسياسة الإسرائيلية فنشأت حالة عزلة إسرائيلية، بينما كانت في السابق تتمتع بتأييد شعبي واسع في كل أوروبا، هذه العزلة مع المعركة مع فرنسا.. الانحياز لأميركا جعلت السياسة الإسرائيلية أسيرة موقف واحد وبالتالي يعني نشأ حالة لا تستطيع فيها السياسة الإسرائيلية أن تتراجع إلى إنه معاداة شعبية، موقف سياسي حكومي أوروبي ناقد لسياسة الحكومة الإسرائيلية، تحالف على صعيد دولي قاطع إما مع أو إما ضد، فحكومة إسرائيل كما أساءت لأوروبا أساءت لنفسها، أساءت للإسرائيليين حين وضعتهم في هذا الموضع الذي لا يمكن التراجع فيه، هذه نقطة، النقطة الثانية من هذا المدخل الدولي أستطيع أن أقول إن إسرائيل آذت أوروبا وآذت فرنسا، آذتها ربما بسمعتها وليس بإيذاء مادي ودولة مثل فرنسا يعني لا تستطيع.. لا تقود سياستها بالقوة فقط أو بالاقتصاد، السمعة.

أحمد كامل: هذا ليس بقليل يعني.

بلال الحسن: السمعة والمكانة المعنوية شيء مهم بالنسبة لفرنسا.

حياة الحويك: بالذات لفرنسا.

بلال الحسن: فهي أساءت إلى فرنسا بهذا المعنى وهذا سبب رئيسي في شِدَّة ردة الفعل لدى السياسيين الفرنسيين ولدى المثقفين الفرنسيين ولدى المواطن العادي الفرنسي عندما اتُّهم زاد موقفه حدة ضد الحكومة الإسرائيلية.

حياة الحويك: تعقيبا على ما تفضَّل به الأستاذ بلال يعني إذا كانت اللاسامية مُدانة لأنها موقف عنصري فعندما تتوقف إسرائيل عن أن تكون دولة عنصرية فإن هذا الموقف يسقط، يعني لا يمكن أن تُدين الموقف العنصري في أوروبا مثلا وأن تُمارس سياسة عنصرية في فلسطين، فعندما تتوقف إسرائيل عن أن تكون دولة إثنية أو دولة دينية أو دولة اليهود وليست دولة لجميع سكانها عندئذ يصبح المنطق السائد هو منطق رفض الإثنيات ورفض الطائفيات ورفض العنصريات، هذا ما نرفضه نحن، نحن نرفض الانتماء الديني والطائفي والعنصري ولكن ما يُمارس في إسرائيل غير ذلك حتى في القانون ربما تكون إسرائيل هي آخر دول العالم التي تمارس التمييز العنصري في قوانينها.

أحمد كامل: كانت هذه كلمة النهاية، شكرا للباحثة والكاتبة الأستاذة حياة الحويك، شكرا للأستاذ بلال الحسن الكاتب والصحفي المعروف، شكرا لضيفي، أعزائي المشاهدين بهذا تنتهي حلقة هذا الأسبوع من برنامج من أوروبا إلى اللقاء في الأسبوع المقبل.

المصدر: الجزيرة