اولوية الديبلوماسية والخريطة!

صحيفة الشروق، 30-10-2007

“اولوية للديبلوماسية الفرنسية”. هكذا يعتبر المسؤولون الفرنسيون قضية دارفور. ولان قلبهم يتقطع على مليوني لاجىء ومئتي الف قتيل،  مما لا يقتؤون يكررونه في تصريحاتهم وفي اعلامهم، حتى بلغ درجة غسل الدماغ الكامل لكل مواطنيهم،  فقد دعت وزيرة الشؤون الاجتماعية السمراء راما ياد، الى تاييد اقتراح برنار كوشنير بانشاء ممثلية ديبلوماسية فرنسية في دارفور.

تاييد جاء بعد مسرحية بارعة الاخراج قامت بها ياد في زيارتها الى السودان، حيث خرجت من لقائها بنظيرها السوداني لتصرح بان في السودان مجرمون ضد الانسانية ومجرمو حرب، وبعضهم في الحكومة ويتوجب محاكمتهم. ثم انتقلت بسيارتها الى منطقة المنكوبة بسبب عاصفة طبيعية، وهناك  حصل الفصل الثاني من المسحية حيث قابلت ما اعده لها المسؤولون السودانيون من استقبال بالاغاني الشعبية وغداء على باخرة في النيل بغضب شديد قائلة انها جاءت لتفقد الضحايا لا للاحتفال، وصعدت الى سيارتها  مطبقة الباب بعنف، قبل ان تتوقف عند خيمة تاوي اسرة من ضحايا الفيضان. ومن ثم تستقل طائرتها الى دارفور. حيث توجهت الى احدى منظمات التدخل الانساني الدولية، والتقت بعض المتمردين وخرجت اخيرا بدعوتها الى انشاء الممثلية.

الاعلام الفنرسي كان بالطبع يرافق ياد في جولتها، يصور ويكتب، ويعود مبرمجا حملة متصاعدة تمهد للتدخل الفرنسي هناك.

عرض مسرحي اذا ما ربطناه بحيثيات نصه، فهمنا مقاصده جيدا:

بدءا من النظر الى الخريطة السودانية وما يحيط بها من الدول الافريقية، حيث نرى حزام المخزونات النفطية يمتد  افقيا من جنوب دارفور الى المنطقة الفاصلة بين جنوب السودان ذي الحكم الذاتي، ومن ثم يصعد الى المناطق الشمالية. وبنظرة الى الغرب، المحاذي للحدود مع دارفور والجنوب نجد التواجد العسكري الفرنسي المنتشر في جمهوريتي تشاد وافريقيا الوسطى. نظرة اخرى الى الخريطة  تدلنا الى اشراف اراضي دارفور على مجرى النيل، المتعرج نحو مصر. والمحصلة المنطقية اطماع اوروبية واميركية في السيطرة على عصبي النزاع الاساسي في الشرق الاوسط وافريقيا ومن ثم العالم: النفط والمياه. خاصة وان هذه المنطقة الممتدة من غرب السودان الى جنوبه هي بوابة افريقيا التي بدا نفطها يحتل موقعا اساسيا على خريطة الطاقة العالمية، خاصة على خليج غينيا. ومن هنا فان ثلاثة قوى مؤثرة تتنازع هناك: الولايات المتحدة الاميركية التي تريد ان تستكمل هيمنتها على مصادر الطاقة  وعلى العالم العربي، كما تريد ان تقوي وضعها في مقاومة التسلل الكاسح للصين في افريقيا، واستكمال حلولها محل الاوروبيين هناك ( خاصة الفرنسيين ).  اوروبا وخاصة فرنسا التي لا تريد ان تخرج من المزاد كما حصل لها في العراق والخليج العربي، بل وتريد ان تعوض خسارتها هناك، وتتجنب مزيدا من الخسارات في افريقيا. واخيرا لا اخرا اسرائيل، التي لم تتخل عن حلم الصهيونية القديم بالسيطرة على منابع ومجرى نهر النيل، مما يجعل رقبة مصر في قبضتها، ويعزز سطوتها القوية على ثروات ومقادير افريقيا. لذلك لا غرابة في ان يتفاهم الاطراف الثلاثة جيدا مع وجود رئيس على راس فرنسا هو الاقرب لاسرائيل وللولايات المتحدة، بل انه مدين لهما بمنصبه. ولا غرابة ايضا في ان يوظف الاعلام الغربي بشكل كاسح لخدمة هذا المخطط، وهو الخاضع كليا للهيمنة الصهيونية ولمصالح الشركات المتعددة الجنسيات، خاصة اللوبي النفطي واللوبي الصناعي العسكري.

اما برنار كوشنير، صاحب اقتراح انشاء ممثلية في دارفور كخطوة على طريق سلخها عن الوطن الام،  فهو الديبلوماسي الذي عرف بحمل راية التدخل الانساني، ستارة وغطاءا لعمليات التجسس والتدخل السياسي. واما اخيرا المراة السمراء التي جاءت تعزز هذا الاقتراح فقد اختارها ساركوزي في حكومته ليقول ان السود ممثلون، وليوظف لونها في خدمة سياساته الافريقية، تماما كما فعل مع رشيدة داتي ذات الاصول المغربية، وان هي الا  امراة ولدت في فرنسا ولا تعرف شيئا عن السنغال الا انها اجدادها من احدى اسره البورجوازية الواسعة الثراء.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون