انطلاق المفاوضات!! وما الذي كنا نفعله منذ اربعة عشر سنة؟ بل بالاحرى ما الذي كان يفعله المتفاوضون في السر وفي العلن؟
ام ان ما وصلنا اليه وما سنصل اليه سيجعلنا نترحم على اوسلو التي عارضناها بكل قوة؟ على اية حال كان برنامج اليمين الاسرائيلي الذي اعلنه بنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية لعام 1994، ومن ثم ثبته في كتاب، هو الغاء اوسلو، وتصفية الارهاب عبر تفكيك بناه ومحاصرة جيبه الرئيسي في قطاع غزة. هذا ما كتبه الرجل بالحرف ولا اقوّلّه انا شيئا. اما على الصعيد العربي والاقليمي فقد تضمنت الخطة تحييد او تدمير الدول الداعمة للارهاب، حيث يقتصر التحييد على دول السلاح التقليدي من ليبيا الى سوريا، ويمتد الامر الى التدمير عندما يصل الى الدول النووية: التدمير الكلي فيما يخص العراق، ومن ثم تدمير القدرات النووية فيما يخص ايران والباكستان. وبعد ذلك ياتي دور مصر والسودان والسعودية التي تشكل اهدافا سهلة لا تمتلك خطورة الاولى. كل هذا نشر في كتاب قبل 11 سبتمبر بثماني سنوات، وفيه حدد الحد الاقصى لتنفيذ البندين الخاصين بالعراق وايران بنهاية عام 2000. واذ انتهت المهلة دون تحقيق الهدف، جاءت احداث منهاتن لتدفع بالامور في الاتجاه المرسوم. وبالمناسبة جاء بنيامين نتنياهو نفسه الى الكونغرس الاميركي، فور الحادثة ليلقي خطابا مطولا اعاد فيه كل ما اورده عام 1994 مع تفصيلات جديدة تتعلق بستراتيجية العمليات العسكرية ( ولمن شاء العودة الى النصين فقد نشرنا الترجمة في الدستور: الكتاب عام 1996 والخطاب عام 2002 )
هل سيكون علينا اذن ان نعود الى كتاب امن وسلام لنعرف ماذا سيكون مصيرنا في المرحلة المقبلة؟
ام سيكون علينا ايضا ان نعود لكتب بيريز بخصوص التطبيع الاقتصادي والثقافي لنستكمل الصورة؟ طالما ان المسارين اللذين يصورهما الاغبياء متناقضين، يتكاملان ويتحققا على الارض جنبا الى جنب فتفعل القوة فعل الجرافة في تمهيد الطريق امام التهويد الاقتصادي والثقافي، ويفعل هذان الغزوان بدورهما فعل المحول النفسي والثقافي والواقعي المدمر لروح وقدرات المقاومة.
وبسؤال اخر: هل ان ما تخططه اسرائيل قدر علينا؟
الجواب هو لا بكل تاكيد، والدليل انه برغم كل الاخطاء وكل التخلف وكل التامر الذي مارسه ويمارسه يهود الداخل،برغم الفرق الهائل في تاريخية القيادة الفلسطينية وقدرتها الموحدة، برغم حال الاحادية الدولية ووجود رئيس على راس القطب الواحد اكثر تهودا من اليهود، وسوا من الصهيونية ان لم نقل انه صنيعتها وخيارها، برغم الظرف النموذجي الذي خلقته احداث سبتمبر، برغم وبرغم… فان المخطط الصهيوني قد تاخر حتى الان سبع سنوات وما زال متعثرا، بل ان دولته العبرية قد اصيبت خلال هذه الفترة باخطر هزيمتين عسكريتين في تاريخها، وكان بالامكان تحويلهما الى هزيمتين سياسيتين لولا التامر اللبناني الداخلي، وبعض العربي. كما ان المراهنة على اخماد روح المقاومة قد خسر تماما، ووجدت اميركا نفسها امام اصعب مقاومة واجهتها منذ فييتنام. هذا في حين تعود تعددية الاقطاب الى الساحة الدولية باسرع مما كان يتصور الجميع، لاسباب كثيرة ليس ما ذكرناه بخارج عنها.
لذا فان اسرائيل تعرف جيدا ان عليها ان تضرب الحديد قبل ان يبرد، وان تسارع قدر الامكان الى جني ثمار ما زرعته قبل ان ياتي الخريف ليفرز ربيعا مختلفا، قد لايكون في مصلحتها كما هو الحال الان . فاذا ارادت واشنطن انابوليس غطاءا من دخان، فان تل ابيب تحاول ان تحقق من خلاله خطوة ستراتيجية تاريخية: الاعتراف بيهودية الدولة، مما يعني الغاء حق العودة، وتشديد الطوق على خيار المقاومة، وتحقيق مزيد من التطبيع مع الدول العربية. ومن هنا لم يكن انابوليس كحرب تموز، تنفيذا اسرائيليا لارادة اميركية، بل انه تنفيذ اسرائيلي لمرحلة من مخطط صهيوني، تلتقي فيها مصلحة الادارة الاميركية مع المصالح الاسرائيلية.