بالامس كنا نستشعر الحذر من بلاك بلوك، التنظيم الشبابي العنفي الذي برز في مصر خلال الأسابيع الاخيرة، وكنا نحلل منطقية نشوء حركات كهذه في ظل سياق غير منطقي تعيشه مجتمعاتنا وخاصة مصر. وبالمقابل منطقية أن تتحول هذه الحركات الاحتجاجية الى تهديد خطر إن وجد من يستغلها ويحرف توجهها، خاصة وأننا لا نعرف شيئا عن مصادر تمويلها.
لكننا لم نكن نعرف ان هناك تنظيمات اخرى تعمل على الساحة المصرية، لا تقل خطرا وعنفا، وان قلت غموضا. وها هو التنظيم الذي يحمل اسم ” كتائب مسلمون ” يطل علينا بيافطة تكفيرية مخيفة، يافطة لا تكتفي بتكفير العلمانيين وبعض الاقباط وبلاك بلوك نفسها، بل تكفر ايضا الاخوان وبعض السلفيين بحجة انهم يداهنون الاخرين للحصول على السلطة السياسية على حساب التطبيق الكامل للشريعة، كما يكفرون العلماء والدعاة الذين ينتهجون نهجا وسطيا معتدلا.
واذا كانت هذه التنظيمات تذكرنا بجماعات العنف التي عرفت في الثمانينات والتسعينات، وكانت مسؤولة عن العديد من اعمال العنف في مصر، فان اسمها ” كتائب مسلمون ” يذكرنا باسم الكتائب اللبنانية المسيحية التي فجرت الحرب الاهلية في لبنان قبل ان ينشق عنها جناحها العسكري المتطرف مشكلا القوات اللبنانية. الشيء بالشيء يذكر، ويولد السؤال الخطير: هل مصر على اعتاب حرب اهلية؟ او بالاحرى هل انها دخلت الحرب الاهلية؟ لتنضم بذلك الى السودان والعراق واليمن و سوريا بعد الصومال والجزائر ولبنان؟
سؤال مان نطرحه حتى ننتبه الى اننا لا ننتبه؟ لاننتبه الى حجم الحروب الاهلية التي نعيش منذ ربع قرن على الاقل. لا ننتبه الى حجم النزيف الذي نفجره بأيدينا والى مستوى فقر الدم الذي نتسبب فيه لجسم اوطاننا وما ينتج عنه تلقائيا وحكما من نقص في القدرات العقلية والجسدية والذهنية والعصبية وسائر انواع القدرات التي تجعل الفرد والمجتمع منتجين وقادرين على التقدم. لا ننتبه الى ان حجم التدمير الذاتي الذي نفذناه بايدينا يتجاوز اقصى حالات التدمير الذي كان يمكن ان ينفذه اي هجوم او اي احتلال خارجي. فهي جاء الدور على مصر؟ للاسف المؤشرات تقول ذلك ومنها هذه التنظيمات العنفية التي لا يعرف احد راسها من قدميها ولا من هو العقل الذي يسيرها، حتى ولو دون ان تعلم. واذا كان ” الثوريون ” يحملون الانظمة التي حكمت طيلة العقود الماضية مسؤولية هذا التفجر الغرائزي المتخلف، وهذا صحيح، فان البدائل التي جاءت لتحل محل هذه الانظمة مصادرة الثورات العربية لم تختلف في جوهرها بشيء عن تلك الانظمة، خاصة من حيث العقلية الاقصائية المتخلفة، ومن حيث الحالة الانكارية للواقع الاجتماعي القائم، ليتقزم الصراع الى مجرد استبدال حكم باخر، كما يستبدل الجسد الواحد بذلة باخرى، لاتختلف في شيء الا بتغير لونها وخطوطها. فاذا القضية: اخرج لاجلس مكانك وامارس ما كنت تمارسه. فهل هذه التنظيمات العنفية التي يطل علينا كل يوم وجه جديد منها، صنيعة نظام الاخوان، ام انها ردة فعل عليه، ام انها- وذاك هو الاصح – استغلال لاخطائه وسوء ادارته وتعنته واقصائيته واستخفافه بالاخرين؟ استغلال لا يتجه إلاّ الى تدمير مصر، ولا يجعلنا نفكر إلاّ بان من اطلق العقال لعبث المجموعات العنفية والارهابية في سوريا، لا يستطيع ان يحمي نفسه من امتداداتها. امتدادات نامل في ان يتمكن عقلاء مصر من احتوائها، وان يتمكن عقلاء بقية الدول العربية من التصرف بشكل يقي دولهم شر وصول النار اليها.