“لا يزعج الامريكيين أن يروا السوريين يقتل بعضهم بعضا، كما لم يكن يزعجهم أن يروا الايرانيين والعراقيين يقتتلون ويدمر أحدهما الآخر “هكذا قال ناعوم شومسكي في لقائه مع قناة الميادين”، وعليه لم يتوقع تدخلا فعليا وسريعا لوقف الدم.
لم يكن المفكر اليهودي الأصل، اليساري الاتجاه، الذي عاش فترة من عمره في كيوبوتز بحاجة لأن يكمل المسبحة: الفلسطينيون.. فتح وحماس، اللبنانيون بتعدد “صنوفهم” وطول نفسهم، الجزائريون باسلامييهم الجهاديين في بلد ليس فيها واحد غير مسلم، بأمازيغهم وعربهم، السودانيون بكل ما نجح في مرور الساطور في جزء ولا يزال يتهيأ لضربة منه في جزء آخر. العراقيون البارعون في فعل ما لم يفعله الاحتلال، اليمنيون الحالمون بالانفصال بعد أن ساءهم طعم الوحدة؛ وأخيرا لا آخرا، المصريون: باخوانهم وسلفييهم ومدنييهم، بمسلميهم وأقباطهم وغدا بالنوبيين، ومن يدري كم ستكر المسبحة، وكم سيخرج علينا من البدع، كبيرها وصغيرها، طالما أن عصام العريان يدعو الى عودة اليهود، وبهائيو شيكاغو وحيفا يطالبون بممثل لهم في لجنة صياغة الدستور، ويلعلعون على مواقعهم الالكترونية بأن حقوق الانسان مهضومة للبهائيين. نغمة بدأت تجد طريقها الى الفضائيات العربية، كالعادة، على استحياء في البداية الى أن تتصاعد الوقاحة تدريجيا. إنه منطق التجزئة متى انطلق لم يتوقف حتى ولو أصبح لكل عشرة أشخاص تنبشهم قوة استعمارية أو جهاز استخبارات أجنبي، صوت يساهم في التفتيت.
إنه منطق الخلايا السرطانية وجنونها، منطق غياب الاطار العام الذي يوحدها جميعا في دورة حياة واحدة اسمها الوطن، الوطن الذي لا يكون وطنا بدون الدولة – هيكله السياسي الدستوري. والدولة التي لا تكون دولة إن لم تكن المواطنة أساس انتماء كل أفرادها اليها بدون أي اعتبارات تجزيئية أخرى.
قد يبدو هذا الكلام نظريا ومتأخرا، بعد أن تفجر كل شيء وعلا الغبار والضجيج بحيث لم يعد هناك من يرى أو يسمع غير صوت الفتنة ونارها. لكن لا علاج الا بهذا المفهوم، وإلا فإن القنبلة العنقودية ستستمر في التفجر الى أن تقضي علينا جميعا.
الأشهر المقبلة، خاصة حتى حزيران ستكون مسرح تأجيج كل أنواع الفئويات بتصعيد يفوق كل ما عرفناه سابقا، وذلك تمهيدا لقمة يالطا الجديدة بين رئيسي العملاقين الكبيرين: بوتين وأوباما. فمن هناك سيبدأ رسم خارطة جديدة لتقاسم النفوذ في العالم: تقاسم سيطال في الدرجة الأولى منطقتي أوراسيا وما يسمونه (مينا) أي الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وبما أن التقاسم لن يتوقف على الاثنين لأن العالم لم يعد أحاديا ولا ثنائي القطبية بل أصبح متعدد الأقطاب، فإن ما سيوضع في القمة سيكون تأسيسا لخريطة ترسم على طاولة أوسع. خريطة تتركز توزيعاتها على الطاقة، المواقع الجيوستراتيجية و… محيط اسرائيل.
ولأن حصص الطاقة الأمريكية لا تزال مؤمنة في الخليج العربي، فإن قسطا آخر من مواقع أخرى قد يمنح للقوى الأخرى لكن مقابل تنازلات جيوستراتيجية ستكون أصعب ما يدور حوله الجدل. أما الجانب الثالث فتتداخل فيه العناصر الثلاث: لأن ما حول اسرائيل هي مواقع الطاقة، وهي المواقع الجيوستراتيجية، وهي الكتل المطلوب تفتيتها بأقصى حد ممكن كي تسهل السيطرة على مصادر الطاقة فيها، وكي يتم توزع مواقعها الاستراتيجية وكي تشكل محيطا مناسبا لاسرائيل سواء من حيث تركيبة دويلة مصطنعة مفبركة صغيرة، أو من حيث تكون تلك الكيانات على أساس عنصري ديني أو عرقي. وبذا يصبح المطلب الوحيد الذي حمله أوباما الى محمود عباس: الاعتراف بيهودية الدولة مطلبا منطقيا ومنسجما مع الواقع والمحيط. وللمتبصر أن يفكر في سؤال بسيط: من هي الدول العربية التي يتعارض وجودها وتكوينها مع هذا المنطق؟ إنها فقط – دول سورية الطبيعية ومصر ( كنا نقول وادي النيل لكن السودان خرجت من المعادلة بعد انفصال الجنوب على اساس مسيحي عرقي). ألا نجد في ذلك تفسيرا لما حصل ويحصل، من لبنان الى العراق فسورية فمصر؟