على طريق التقسيم أم التشدد؟

سوريا، 24-03-2013

قبل ايام كان العلامة محمد سعيد البوطي يخاطب الشيخ يوسف القرضاوي قائلا: يا اخي بيننا وبين القبر اشهر وربما ايام، انت اكبر مني بقليل فلماذا لا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ يدعوه الى العمل معه على دفن الفتنة كما يدعوه الى زيارة دمشق واعدا اياه بالترحيب. وكان القرضاوي يتهم الامام العلامة بانه مخبول وجاهل، ويفتي قائلا بالحرف: ان الذين يعملون مع النظام علينا ان نقاتلهم عسكريين ومدنيين وعلماء.

لا نريد بأي شكل الدخول في قائمة من يوزعون الاتهامات غير المسندة ولكننا نريد رسم اجواء سياقين من الشحن يملك رجال الدين وخاصة كبار مراجعهم ان يصوغوها لدى العامة، بل وحتى لدى السياسيين.

ولا يغني ذلك عن السؤال المطروح للتحليل: لماذا استهدف الشيخ الفقيه الذي يعتبر من اهم مراجع المسلمين السنة في العالم؟

هو خريج الأزهر الشريف بدرجة دكتوراه عن رسالة بعنوان “ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلاميّة”، ومنذها حتى سنواته الثمانين نشر ما يزيد على ستين كتابا فقهيا، منها ما يقرأ الفلسفة المادية المعاصرة على ضوء الفكر الإسلامي: “المذاهب الإسلامية والفلسفات المعاصرة ” اوروبا من التقنية الى الروحانية – الجسر المقطوع “، “العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر” وغيرها ما جعله يعتبر خبيرا في الفلسفات المادية، الى جانب موقعه المحسوم في الفقه الإسلامي الذي كان يلتزم فيه بالمذهب الاشعري.

لم يقتصر نشاط هذا الفقيه على الكتابة، بل انه جال العالم الإسلامي معلما ومرشدا ومنظما لكليات الشريعة، ومن الجزائر الى اندونيسيا اعتبره المسلمون واحدا من اهم المراجع الإسلامية في العالم. وانتخب رئيسا لاتحاد علماء بلاد الشام. كل هذا لا يستحق – منطقيا – القتل.

سياسيا لم يكن البوطي تاريخيا على وفاق مع الاخوان المسلمين، رغم انه دافع عنهم امام الرئيس حافظ الاسد، في موقف مشهود له. لذا فالخلاف بينه وبين القرضاوي ذو جذور عميقة، ازدهر بقوة في المواجهة الحالية بين سورية وقطر التي تتكفل بالمسلحين السوريين وتتحكم بقرار المعارضة كما رأينا في تشكيل الحكومة مؤخرا. من جهة ثانية لا يعترف الشيخ بالسلفية الا كـ ” مرحلة زمنية لا مذهب إسلامي ” وفق عنوان كتاب اخر له، وفي هذا الكتاب يشن هجوما فقهيا على الوهابية. لكن ذلك لا يستحق – منطقيا – القتل.

في التناول السياسي المباشر، نأخذ ما كتبته موسوعة ويكيبيديا “: ” كان البوطي متحفظا على الحراك السوري وانتقد المحتجين ودعاهم إلى عدم الانقياد وراء الدعوات المجهولة المصدر التي تحاول استغلال المساجد لإثارة الفتن والفوضى في سورية، ووصفهم بقوله:تأملت في معظمهم ووجدت أنهم لا يعرفون شيئا اسمه صلاة، والقسم الأكبر لم يعرف جبينه السجود أبدًا. وفي المقابل قد أصدر فتوى بـحرمة قتل المتظاهرين حتى لو كان جبراً.ش

وفي تصريحات أخرى مشابهة لتصريحات أحمد بدر الدين حسون اتهم عوامل خارجية بالوقوف وراء التظاهرات وقال:ينبغي أن نفترض أنه عندما يتلاقى الناس في تجمعات واحتكاكات، يكون هناك مندسون من الخارج. وقال: ان من يحرضون على هذه الاعمال يراقبوننا في حالة من التسلية.

اختياري لويكيبيديا جاء لمقارنتها بما قالته بعض الفضائيات الخليجية عن العلامة المسلم السني، فقد اغفلوا كل تاريخه وخفضوا عدد كتبه الى عشرين، ونسوا كل فقهه ليتوقفوا عند قوله لحافظ الاسد يوم وفاة ابنه باسل: انني اراه بين الصديقين في الجنة. وهذه ليست فتوى وانما هي كلمة تقال من قبل كل إنسان لاهل مفجوعين بابنهم.

اخيرا – ثمة معطى ليس الاقل اهمية: البوطي كردي، امه تركية وهو يتقن هذه اللغة جيدا وله تأثيره الفقهي في تركيا. فهل من الصدفة ان يتم استهدافه واغتياله مع فرض كردي اميركي رئيسا لحكومة المعارضة؟ وقبل ذلك فرض رئيس كردي لمجلس اسطمبول؟ وانطلاق تركيا في مفاوضاتها مع اكرادها وحتى عبد الله اوجلان؟

هيتو والذي فرض بالقوة رئيسا هو موظف (مثله مثل سهير الاتاسي نائبة رئيس الائتلاف) في المعهد الاميركي للديمقراطية الذي يرأسه ضابط اسرائيلي متقاعد. فهل يجوز ان يبقى قبالته كردي رئيس لاتحاد علماء بلاد الشام، عالم فقيه مرجع، معروف بالتزامه ونضاله لاجل المقاومة في فلسطين، يدين المعارضة، يتحدث عن المندسين، يؤيد الحكم السوري ويحذر من التقسيم؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون