يهرولون بحثا عن دور، درءا لعدم إقصاء أو استبعاد، وربما لخطر. الحصص لا مكان لهم فيها لأنهم جزء منها، ولا مكان للعصاة في صف الأيدي الضاربة بها.
هل بدأت الأزمة السورية تأخذ طريقها الى النهاية؟ هل ثمة طائف لبناني أو يالطا دولية؟ الطائف كان مجرد وضع حد لنزاع سياسي، وتوزيع حصص إعادة اعمار بسيطة لا تستحق لعاب الكبار، يكفيها رفيق الحريري وسوليدير وما يوزع من فتات على البقية من الأدوات التي تتوزع حول الطاولة. الراعي السعودي احتكر الاستثمار والراعي السوري لعب السياسة.
اليوم الأمور أخطر بكثير، وأدق بكثير. ثمة ثروات طبيعية هائلة قد تعيد بلاد الشام الى موقع المركز الذي لم تفقده سياسيا إنما فقدته اقتصاديا. مرة أخرى تنتصر الأرض والتاريخ لهذا الجزء الأقدم في التاريخ والأخصب في الأرض، فتعيد له أهميته لكنها من جهة أخرى تجعله مذبحا من دماء وأطماع. سيتقرر فيه مصير التوازن الدولي، ولكن سيتقرر مصيره أيضا انطلاقا من أقدم عاصمة في التاريخ، قلب العروبة التي تآمر عليها العرب.
القيصر اجتمع مع العم سام، في عودة الى كرسي امبراطوري ثنائي، وكان للأول أن يثار، لا لسورية إنما لروسيا التي خضعت للمؤامرة قبل العراق وسورية. ترك كيري ينتظر وهو يحتفل بأبهة لم يسبق لها مثيل بانتصار الحرب العالمية الثانية، والواقع أن هذه الأبهة إنما هي احتفال بالانتصار في الحرب العالمية الثالثة التي لم يكن مركزها برلين بل دمشق.
يالطا الجديدة ارتسمت بتفاصيلها وإن كنا لا نعرف كل هذه التفاصيل بعد. والروسي هو الرابح الأكبر فيها هذه المرة. ربح بفضل جيش يوسف العظمة، الذي انتقم هذه المرة لميسلون، وانتقم. هذا الجيش العظيم، هو الذي تعالى فوق طوفان السم المذهبي المتدفق من ماسورة النفط والغاز الخليجية، تعالى فوق المال الأسود المغمس برائحة النفط وزيت السيرج، تعالى فوق أساليب الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات الغربية والصهيونية والعربية الصهيونية، وخاض معركته كجيش سورية التاريخي، فحسم.
كانت ليلة القصف الاسرائيلي، ساعة الصفر المقررة لمعركة دمشق الحاسمة، فنجح الاسرائيلي في جعل ليل قاسيون نهارا، وفشل على أبواب دمشق للمرة الثالثة والأخيرة، فانقلب الليل المرسوم للمستقبل نهارا. تقدم الجيش فانتعش المفاوض ورضخ كيري لشروط بوتين. تحقق ما وعد به سيد المقاومة اللبنانية عام 2006 من أن المشروع الامريكي سيتكسر على أرض سورية الطبيعية.
الثمن الذي دفعته سورية كان غاليا جدا جدا… وستحتاج لسنوات كي تعوضه. لكن الثمن الذي كانت ستدفعه – وندفعه جميعا- لو نجحت المؤامرة كان سيحتاج لقرون. لم ولن تنته المؤامرة هنا، لن ينته العنف والتفجيرات والاغتيالات، لكن المهم أن المشروع المعادي سقط. ثمة ثمن آخر سيدفع دون شك، وهو توزيع الحصص في مخزون الغاز الهائل المكتشف على شواطىء المتوسط. توزيع لا شك أن الروسي خرج منه بحصة الأسد، لكن منطق الامور أن استخراج النفط والغاز يحتاج الى الشركات الكبرى، ولتكن هذه الشركات تلك التي تكسر المشروع الأمريكي، وتعيدنا الى توازن دولي نستطيع فيه أن نلعب لعبة مصالحنا، كما كانت الحال أيام محور عدم الانحياز.
وبذا يتضح الصراع: صراع بين الحاق مطلق بالتبعية الأمريكية (وبالتالي الصهيونية) قادته قطر على كل الساحات و في التفاف واضح على ساحات الثورات العربية، وبين كسر للأحادية الأمريكية قادته سورية. ووراءها جماهير شعبية في كل الأقطار العربية. صراع حسمه الجيش على الأرض وحسمته السياسة في الكواليس. ليجد الصغار الذين صدقوا دورهم في لعبة الكبار، أنفسهم خارج سياقات الحل. فهرولوا: هرولوا أولا الى واشنطن – بإيحاء من واشنطن ومن رعبهم – يبيعون ما تبقى من القضيىة الفلسطينية، والاعتراف بيهودية اسرائيل مقابل دفع تدخل خارجي يسعفهم في سورية قبل زيارة كيري الى موسكو، فكان العدوان والمعركة البرية، وكان الفشل الكبير.
اذا فالهرولة مزدوجة: الى ايران لتسول دور أو على الأقل عدم انتقام. والى غزة لاستعادة براءة ذمة عبر المتاجرة بالشعارات الجهادية في فلسطين.