سورية: الحوار والضغوط

الربيع العربي، 03-03-2013

“الزيارة تقع في برج سورية “. هكذا وصفت الصحافة الفرنسية زيارة فرانسوا هولاند لروسيا. وذلك رغم أن الزيارة تقع ضمن ما تسميه الادارة الفرنسية دبلوماسية الاقتصاد. فالدولة الاوروبية المهددة بتداعيات الازمة المالية تبحث عن الانقاذ، وذلك ما تعرف أنها لن تجده لدى الشريك الامريكي، لأن إدارة اوباما رفعت يديها عن التبرع بدور الاب المنقذ وأعلنت منذ الفترة الرئاسية السابقة أنه على الحلفاء الاطلسيين أن يتحملوا مسؤولياتهم. اتجاه يتعزز اكثر في الولاية الجديدة. وبقدر ما يتجه العالم الى عودة الثنائية القطبية، أو التعددية، فإن التفاهمات الامريكية – الروسية قد تكون على حساب الكثيرين ومنهم اوروبا . وعلى كل أن يبحث عن خلاصه.

فرنسا ساركوزي هربت الى ليبيا، علّها تداوي بالدم والدمار والمال الليبي ازمتها، وفرنسا ساركوزي هربت الى مالي علّها تداوي بالعلاج نفسه ازمتها. وبين الاثنين كان حلم الهيمنة على سورية يلتقي مع حلم خليجي اعتبر هولاند انه سيجني منه ارباحا مالية.

غير أن تطور الاحداث ادى الى خروج فرنسا وبالتالي اوروبا ومعها العرب من صورة التأثير، وبقيت واشنطن مكانها على المسرح لتكرس موسكو عودتها اليه وبقوة. هولاند حاول أن يوصل رسالة تنكر هذا الواقع وتحفظ عجرفة فرنسا فتأخر عن الاجتماع نصف ساعة بحجة زيارة أحد المتاحف الروسية، فرد عليه بوتين بجعله ينتظر نصف ساعة بعد وصوله. الرسالة أن المسرح للتفاهمات الروسية الامريكية وفي كواليسه تدور قضايا كثيرة حول اشكالات كثيرة بين القوتين العظميين، ليس اقلها الملف الايراني. لذا رأينا اللهجة تشتد قبل مفاوضات كازاخستان، وبعد نجاحها نسبيا تغير الجو فأجبر الائتلاف المعارض على حضور مؤتمر روما وعلى الغاء موعد إعلان اسم رئيس الحكومة الانتقالية من اسطنبول، وفي روما صرّح كيري بأن بلاده لن تسلح المعارضة السورية، وأنها ستكتفي بتقديم مواد طبية ومساعدة غذائية للمعارضة ولكن ليس للمجموعات التكفيرية. وتردد الصدى لدى معاذ الخطيب فأعلن من روما رفضه القاطع لكل فكر تكفيري وتمسكه بوحدة سورية كخط احمر سيقاتل كل سكان سورية دفاعا عنه – بحسب تعبيره. فهل كانت كل التصريحات التصعيدية عن سورية لاجل كازاخستان؟ وهل أن الاجتماع الاول للمفاوضات الذي يتوقعه المراقبون في بدايات آذار، بمشاركة هيئة التنسيق والائتلاف، كان مطروحا ومربوطا بمؤتمر كازاخستان وغيرها مما حسم في لقاء لافروف – كيري؟ المهم أنه أقر، والنتيجة أمران: أن كل طرف اقليمي ودولي سيسرع في العمل على الحصول على كرسي على طاولة المفاوضات، أو على الاقل على الوقوف حولها. والثاني أن يعمل كل من تورط بعيدا في المؤامرة على سورية، على حماية نفسه من تداعيات الحل.

هكذا هرول هولاند يسترضي الروس ويؤكد التزامه بوحدة سورية ( ناسيا أن أجداده هم من وضعوا خريطة تقسيم سورية، وأن المعارضة المسلحة ترفع علم الانتداب) وذلك بعد أن تسرب خبر عرض المخابرات الفرنسية على مثيلتها السورية العودة الى التعاون والتنسيق ضد الارهاب، وبعد أن انتهى شهر العسل بين باريس والدوحة، كذلك خرج نتنياهو يصيح معترضا ويهدد بضرب ايران، وخرج امير قطر يشكو من اكتفاء الدول الغربية بالادانة اللفظية لما يجري في سورية، بعد أن كان رئيس وزرائه قد عبّر عن احباطه قبل اسبوعين، وخرج سفير الائتلاف في باريس يهدد باستخراج النفط السوري الذي يقع في مناطق سيطر عليها المسلحون، وبيعه. وفي الوقت ذاته ترك جون كيري بعض الصحافيين وبعض صغار الدبلوماسيين يتحدثون عن امكانية تسليح المعارضة في المستقبل.

كل ذلك يندرج في إطار الضغوط التي يتوقع لها أن تتفاقم وتتعدد مع بدء المفاوضات وحتى انتهائها الذي لا يمكن لاحد أن يحدده، لان الصفقة هي صفقة مصالح دولية كبرى، تعقد مع وحول أقدم عاصمة في التاريخ. ولكن بيضة القبان في معادلات الضغوط هذه تبقى في قوة الجيش العربي السوري وتماسكه وسيطرته على الارض، تلك السيطرة التي لولاها لما استطاع الفريق الروسي تحقيق تقدم في فرض طبيعة الحل.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون