“من قاسيون اطل يا وطني، وارى دمشق تعانق السحبا”.
سحب لم تكن بالامس تلك الطرية الندية التي يلفك بها قاسيون بحنان ومحبة، بل هي سحب النار والدمار التي يلف بها الحقد الصهيوني الوطن كله. ويتركز اكثر على من لا ينصاع لمشروعه الاستعبادي. هي الحرب لم تتغير مواجهاتها منذ عام 1948 رسميا، وما قبلها فعليا. هي المعارك تتعاقب الواحدة منها اثر الاخرى باشكال مختلفة واساليب مختلفة وعناوين مختلفة، من فلسطين الى لبنان الى العراق الى مصر والى سوريا.
المتغيرات في الشكل معروفة، والثابت معروف : انت والعدو ويهود الداخل الذين اثبتت التجربة خلال ما يقارب من قرن، انهم – كما قال عنهم انطون سعادة – اخطر من يهود الخارج.
يهود الداخل دمروا ما لم تستطع اسرائيل تدميره، ويهود الداخل خرجوا على تلفزيون العدو ليقولوا ان الفرحة العامرة تغمرهم، لان معنويات الجيش الحر كانت قد اصبحت في الحضيض، يائسة، وجاءت الضربة الجوية لتشد من ازرهم ( هكذا حرفيا وبالصوت والصورة والاسم ). كلام يفسره مسير المعارك في القصير ( وتصريح علي حيدر من ان المسلحين المحاصرين فيها بداؤوا يطرحون فكرة التفاوض للاستسلام سلميا)، وتزامن القصف الاسرائيلي مع عملية اقتحام فاشلة لدمشق.
غير ان ما قد يسلم به بعض المسلحين، اضطرارا، لا تسلم به القوى التي تقف وراءهم وتسلحهم، من عرب وغير عرب وكلهم حلفاء لاسرائيل. من هنا فان العدوان الاخير لا يتعدى، ببساطة، مطلب التدخل الخارجي الذي رفعته المعارضة الخائنة منذ بدء الاحداث، وعليه قام صراعها المستميت مع المعارضة الوطنية. صراع شهدناه في باريس منذ الشهر الاول للازمة، ليس فقط في تحرك جماعة التدخل الاجنبي ضد المعارضين الذين كانوا يرفضونه والموجودين هناك، بل وايضا ضد وفد جاء من الداخل، تحرك فرض على الخارجية الفرنسية اقفال نادي الصحافة الاجنبية لمنع المؤتمر الصحفي الذي تمت الدعوة اليه، ومن ثم الضغط على صحيفة لوموند لمنعها من تنفيذ دعوتها البديلة لعقد المؤتمر في مقرها. وهذا ما حصل. والهدف منع هؤلاء من التصريح بانهم يرفضون التدخل الاجنبي ويرفضون العسكرة والطائفية.
بالامس تاكد ما كنا نقوله – ونتّهم ( بفتح التاء) – من ان الخلاف ليس بين رؤى مختلفة في المعارضة، بل بين خونة ومعارضين.
بالامس لبت اسرائيل نداء التدخل الخارجي، بعد ان قال بني غيتس في عيد الجيش الاسرائيلي ان بلاده تتحالف مع جزء من المعارضة، وبعد ان كتب محرر الشؤون العربية في صحيفة ها ارتز من أن «واشنطن تتطلع بالفعل الى بناء علاقات بين اسرائيل وقيادة المعارضة، من اجل التوصل الى تفاهمات وترتيبات امنية على المدى القصير، تمنع تبادل اطلاق نار غير مقصود نحو الاراضي الاسرائيلية. أما على المدى البعيد، فتفاهمات وترتيبات امنية تُنَظّم بين إسرائيل والنظام الجديد في سوريا». تفاهمات وترتيبات لا تتحقق اذا ما انتهت الازمة الى حل يبقي على الدولة الوطنية – القومية في سوريا، باية صيغة واي راس كانت. ومن هنا تتساءل ها ارتز : عما اذا كانت إسرائيل معنية، او ستكون مطالبة، بتوسيع نشاطها الجوي في سوريا، “سواء تحت غطاء منع انتقال السلاح الى حزب الله أو الى منظمات اخرى، كمظلة جوية تحمي الثوار السوريين مضيفة أن حلاً كهذا سيكون مريحاً للولايات المتحدة وللدول العربية ولتركيا، غير المستعدة للتدخل عسكريا دون اجماع دولي واسع”.
كلام وجدنا ترجمته بالامس في اصرار جميع وسائل الاعلام الغربية والعربية المستغربة المتاسرلة على القول بان القصف استهدف اسلحة كانت ستنقل الى حزب الله. كما وجدناها في التعليقات الدولية الرسمية، وكذلك وجدنا ان سوريا قد قراته جيدا عندما اعلنت عن فتح جبهة الجولان لمن يريد المقاومة ضد اسرائيل.
وعليه فان الرد لا يكون بطلب رد عسكري سوري مباشر يشاغل الجيش مع اسرائيل فيما يترك عفاريت الخيانة تنغل في الداخل. الرد يكون بتحرك ثنائي : الاستمرار في المعارك التي تهدف الى اعادة المدن السورية واريافها الى سلطة الدولة بتصفية جيوب الخيانة، ومد اليد اكثر فاكثر الى المعارضين الذين يقفون في صف الوطن ولو من موقع المعارضة.
اما هؤلاء، فعليهم ان يتخلصوا من خوف ” فقدان الشعبية ” كما قال احد زعمائهم، والخروج على الناس بحقائق المؤامرة، عليهم ان ينزعوا اخر ورقة توت عن عري الخيانة، لان سوريا هي المستهدفة بالتعرية والاغتصاب والقتل. ونتيجة نجاح او فشل هذا الاستهداف هي ما سيقرر مصير الامة التي يقودها سماسرتها وعملاؤها الى الفناء.
الجروح بشعة ومتقيحة، ولكن جرح سوريا الام هو الاعمق والاكثر حاجة للتضميد والدعم.