خلافات لا تزال

الربيع العربي، 05-02-2013

خلافات كبرى لا تزال قائمة بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن.. البيت الأبيض يشدد على «أهمية أن يعمل البلدان معاً لصالح السلام الدولي والأمن بما في ذلك في سورية”.

هذا هو أهم ما قاله جو بايدن في تصريحاته حول تطورات المسألة السورية. وبالتدقيق في دلالة هذه الصياغة نخلص الى أن كمّا من الخلافات تم تذليله، أي أن عملية التفاوض حول الموضوع جارية على قدم وساق منذ فترة طويلة. ولا يقتصر التفاوض على الطرفين الدوليين: الأمريكي والروسي، بل يشمل أيضا الدول المؤثرة، وطرفي الأزمة من معارضة سورية وحكومتها. ومن تابع حوار هيثم مناع مع سامي كليب عشية مؤتمر جنيف لهيئة التنسيق وحلفائها، توقف عند تأكيد مناع على مسألة الكتمان بالمفاوضات، سواء بإشارته الى نصيحة مساعد مانديلا أو إلى نصيحة أبو مازن: فعن الأول نقل قوله إن مانديلا فاوض سلطة جنوب أفريقيا أربع سنوات سرا، وعن الأول نقل المقولة التقليدية: واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان. إضافة الى ذلك من المعروف في كل اعراف إدارة الأزمات أن الاعلان عن التفاوض لا يسبق الحوار إنما يليه، أو على الأقل يلي المرحلة التأسيسية فيه. وهنا يبرز السؤال الآخر: هل جاء تحرك معاذ الخطيب مجرد ردة فعل على إعلان مناع، في محاولة لحجز مقعد على الطاولة التي ستنعقد ويتم عليها في آخر المطاف اقتسام المكاسب، بما فيها مكاسب الموقع السياسي على الأرض السورية؟ وهل فاجأ هذا الاعلان مكونات الائتلاف فتعددت ردات فعلها على الخطيب نفسه وهل فاجأت بالتالي قطر وتركيا؟ على السؤال الأول يفرض الجواب نفسه: لا يمكن أن يكون الأمر مجرد ردة فعل شخصية، وبعودة الى تصريح بايدن نفهم أنه لا بد من ضوء أخضر أمريكي – أوروبي (بدلالة أخرى هي فشل أو إفشال مؤتمر باريس الأخير للائتلاف وأصدقاء سورية الذين تقلصوا الى النصف فجأة)، غير أن العامل الشخصي غير معدوم، فإمام المسجد الأموي سابقا، اعتبر في محاضرة له قبل أن يصبح رئيسا للائتلاف، أن التفاوض مع النظام واجب شرعي. وحتى لو أنه تراجع عن ذلك في تصريحاته الأولى رئيسا، فإن السؤال يبقى مطروحا: ألأجل ذلك وقع الاختيار عليه ليقود هذه المرحلة (طالما أنه لا شيء في الدنمارك يحصل صدفة… كل شيء في الدنمارك مدبر كي يبدو من فعل الصدفة – كما يقول نجيب سرور في ماكبث)؟ ويعزز هذا التحليل طلب بايدن من الخطيب “عزل العناصر المتطرفة داخل المعارضة والانفتاح على نطاق عريض من الطوائف داخل سورية، بمن في ذلك العلويون والمسيحيون والأكراد”. فيما يلبي الحاجة الى هذا الانفتاح لمن يريد لعب دور سياسي سوري، كما ينفذ الى الحاجة الى القدرة على منافسة الحكم القائم والمنفتح أصلا على كل هؤلاء، ولكن الأهم على منافسة هيئة التنسيق الوطنية وحلفائها من هذه المكونات المذكورة، في إطار وحدة وطنية حقيقية تنحى منحى قومي يساري علماني. من ناحية أخرى لا بد من التوقف عند تعبير: “عزل العناصر المتطرفة ” واذا كان الأمر لا يحتاج لشرح لمعرفة من هي هذه العناصر ولا من هم الذين يدعمونها، فإن ظهورا معينا لرجل وصف بأنه ناطق رسمي لغرفة العمليات المشتركة للجيش الحر في باريس، يكشف عن محاولة هذا الجيش اللحاق بالركب ولتفادي عملية عزله، فيما يفسر الاصرار على الغرفة المشتركة حيث عرف ما يسمى بالجيش الحر بأنه متشرذم بين عدة قيادات متنافسة ومختلفة. أطل الشاب من على شاشة روسيا اليوم يرتدي بذلة مدنية وربطة عنق أنيقة زرقاء، ويسرّح شعره بطريقة (على الموضة) ورغم أن البرنامج حواري إلا أنه كان يقرأ ورقا معدا مسبقا وكأنه يتلو بيانا يتمحور حول نقطتين: الاولى حرص الجيش الحر على وقف العنف، وعلى السلام والامن!!!! والثانية الهجوم العنيف على شخص الرئيس بشار الاسد و “زمرته” واتهامه بأنه هو من لا يريد السلام. خطاب يلتقي مع تحليل لبعض مراكز الابحاث الامريكية يقول بإن إصرار الولايات المتحدة على إقصاء الرئيس بشار الاسد، إن هو الا عملية تمنح المعارضة نصرا وهميا تمكنها فيه من التفاوض دون احساس الانكسار الكامل الذي يقابله احساس الانتصار من الطرف الآخر، خاصة وآن الطرف الثالث، أي هيئة التنسيق لم تضع هذا الشرط أساسا في خطابها المعلن. وهنا يكمن احد عناصر الاختلال التي لا تزال قائمة بين روسيا والولايات المتحدة.

عنصر لا يكفي وحده، دون شك ليعلق الاتفاق، بل إن الحوار الروسي – الامريكي يتناول أمورا كبيرة، تقوم في أساس المشكلة وتتشعب ملفاتها من سورية إلى إيران إلى القوقاز، الى اوراسيا والمحيط الهندي والاهم النفط والغاز ومنابعهما وأنابيبهما… مما سيجعل التفاوض يستغرق وقتا طويلا، ينتهي الى تقاسم النفوذ والمصالح ليس في المنطقة فحسب إنما في العالم، في عودة الى ثنائية القطبين التي عرفناها في الحرب الباردة لكنها ثنائية مقرونة هذه المرة بتعددية اقطاب لكل منها دوره وأهميته فيما ينهي الاحادية الامريكية دون أن يقضي على مصالح واشنطن. وفيما يؤكد أن ما جرى في سورية لا علاقة له بنشر الديموقراطية ولا الحرص على حقوق الإنسان. إنما يرتبط بأمرين: تقاسم المصالح الدولية، وإضعاف سورية والقضاء على دورها كقوة اقليمية عربية، بأموال العرب وبيد اهلها، سواء ممن حلموا بالثورة أو ممن حلموا بالانتقام والاثراء في عواصم العالم على حساب دمار بلادهم. وكذلك بيد الجهاديين الوافدين الذين – وككل مرة – بدأت واشنطن بنعتهم بالثوار – ومن ثم صنفتهم إرهابيين وها هو بايدن يطالب المعارضة بعزلهم ومن معهم ممن ينعتهم بالمتطرفين.

وبهذه المعطيات يكون الجواب على السؤال الثاني الذي طرحناه في بداية التحليل حول قطر وتركيا: لقد انتهى دورهما هنا، اللهم الا بعض التصفيات والمعارك العنفية التي ستكون ضرورية لترجيح كفة على أخرى خلال المفاوضات في معادلة يبدو أن العربية السعودية كانت أكثر ذكاء ودبلوماسية في التعاطي معها. في حين لا يملك الأتراك خط رجعة وهم الذين حوّلوا بلادهم الى خط خلفي للمعركة، وعليهم الآن أن يحصدوا الثمار. ومثلهم قطر التي من حق رئيس وزرائها أن يشعر بالاحباط كما قال امس.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون