محاولة اغتيال الوزير الشاب فيصل كرامي في طرابلس – لبنان، تحيل مباشرة الى اغتيال عمه رئيس الوزراء اللبناني الراحل رشيد كرامي. لكن تمعنا اكبر في دلالاتها يحيل الى اغتيال الوزير سليمان فرنجية. غير ان الاحالتين تلتقيان رغم افتراق وجوه الشبه بينهما. كما تلتقيان من وجه اخر مع الصراع، الذي خرج الى العلن بحدة، بين الازهر الشريف والسلفيين المصريين، مما يضع الحدث في اطاره العربي والاقليمي، متجاوزا كونه مجرد محاولة اغتيال لشخصية لبنانية.
رشيد كرامي اغتيل بيد سمير جعجع وهذا ما شكل مضمون ادانة هذا الاخير وسجنه بعد ثبوت التهمة عليه واعترافه بها امام قاضي التحقيق، لكن ذلك يضعنا – في اطار المعادلة اللبنانية – امام ثنائية خطين : انعزالي – قومي، وسني – ماروني.
حيث كان الرئيس كرامي يمثل الخط الوطني القومي العروبي الذي لم يعترف واقعيا يوما بالحدود الشمالية الفاصلة بين لبنان وسوريا، كما كان في الوقت ذاته الشخصية الحريصة على وحدة الوطن اللبناني ومقاومة المشاريع التقسيمية، وكان موقعه كرئيس للوزراء يجعله الشخصية السنية الاولى في البلاد، كما يسمح له بترجمة المواقف السياسية المذكورة الى قرارات رسمية اولها رفض انزال الجيش الى ساحة الاحداث اللبنانية، كي لا يؤدي ذلك الى انقسام الجيش نفسه مما يمهد لانقسام جميع مؤسسات الدولة وتفتيتها. ( وهذا ما حصل بعد استشهاده ). كما كان بخطه العروبي الوطني سندا لخط المقاومة وعدوا عنيدا لاسرائيل، لذا كان لا بد للمشروع التقسيمي العميل من التخلص من العقبة التي يشكلها، كما كان المطلوب من اغتياله على يد قائد ميليشيات المارونية السياسية اذكاء الصراع الطائفي الذي شكل وقود الحرب الاهلية.
في حين ان اغتيال سليمان فرنجية، الذي نفذه ايضا سمير جعجع – وجرح في العملية – هو عملية تصفية مارونية – مارونية، تمثل هدفها في امرين اساسيين، تصفية القيادات المسيحية الخارجة عن خط الكتائب – القوات اللبنانية، وتصفية القيادات المسيحية التي تلتزم بتحالفات عربية تاريخية، خاصة مع سوريا. وذلك لحصر القيادة المارونية ومن ثم المسيحية في خط واحد متورط بالمشروع الطائفي التقسيمي المتحالف مع المشروع الصهيوني والغربي.
واذا كانت الحيثية الاولى، اي تصفية من يقاوم المخطط التفتيتي التجزيئي، ومن يمثل خطا قوميا، ومن يقف في وجه المخططات الصهيونية والغربية، تجمع العمليات الثلاث بشكل واضح، فان الحيثية الاخيرة، اي الاستئثار بالقيادة وشطب اي خط اخر هي ما يجمع اغتيال فرنجية الى محاولة اغتيال كرامي الابن. مع فارق ان الشطب ياتي هذه المرة داخل الطائفة السنية، كما كان يومها داخل الطائفة المارونية. فسلفيو طرابلس، بل ولبنان، والتنظيمات التكفيرية فيه، ومن ورائهم من يدعمهم في تيار المستقبل، لا ينزعجون من القيادات الطائفية الاخرى، في بلد ان هو الا مزرعة طوائف، بل ان اهم ما يزعجهم هو وجود قيادات سنية وطنية ما تزال ترفع الصوت عاليا بخطاب قومي وسطي وحدوي، خطاب يرفض المخططات الصهيو- غربية ولا يغذي اهداف المرحلة التخريبية الحالية وعلى راسها الشحن المذهبي الذي يراد له ان يكون وقود الحروب الاهلية الجديدة كما كانت الطائفية وقود الحروب الاخر. وليس من قبيل المصادفة ان تاتي هذه العملية بعد الاعلان عن انشاء قيادة موحدة لفصائل المجموعات المسلحة مثل النصرة وفتح الاسلام وجند الشام ولواء التوحيد.وجعل مقرها في شمالي لبنان.
وهل افضل من آل كرامي، من جديد لتوجيه رسالة الى سائر الزعامات السنية الوطنية في لبنان وفي غير لبنان ( اما ان تصطفوا وراءنا واما التصفية ). رسالة كانت قد بدات بالحرب ضد سليم الحص وضد مصطفى سعد وضد مصطفى حمدان وضد كمال شاتيلا وتبلورت مؤخرا بالحملة الشرسة ضد مفتي الجمهورية. وهنا تلتقي عملية طرابلس مع الحرب المعلنة على الازهر والتي وصلت حد تكفير عمداء كلياته، وفقهاء مذاهبه. واستدعت خروج علمائه على وسائل الاعلام للرد على الفتاوى والدعاوى والتكفير، في سابقة خطيرة. وهذا ما يذكرنا ايضا بالصراع الذي نشا بين بشير الجميل والبطركية المارونية في بداية الحرب الاهلية، والتي وصلت حد الاعتداء على البطريرك بالضرب لانه كان يرفض تمويل شراء السلاح. واذا كانت الميليشيات المارونية لم تسء الى احد كما اساءت الى الموارنة وتاريخهم الوطني الحضاري والى الوطن كصيغة مواطنة ودولة فلن تكون حرب هذه التنظيمات العنفية حربا على الاخر فحسب وانما هي حرب على الاسلام نفسه، تجرده من كونه رافعة وطنية بناءة ومظلة حضارية جامعة الى كونه شيعا ومذاهب وفرق تدمر البلاد والعباد وتقسم الاوطان الى فتات واجزاء لا تنفع الا لتبرير وجود دولة اليهود.