خطاب حال الامة هو تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، تاريخ سنواتها العادية التي لا يؤشر اليها التاريخ وتاريخ مفاصل تاريخها التي حسمت في مرات كثيرة تاريخ العالم. وفي كل من هذه المفاصل كانت الخطوات المتخذة تبرر بمبادىء تضع على راس تمثال الحرية تاج الخير فيما تكلل رؤوس اعدائها او من تطمع في علاقات معينة معهم بتاج الشوك المخصص للشر. منذ وضع الدستور الاميركي نصت المادة الحادية عشرة منه على ان يقدم الرئيس تقريرا للكونغرس عن حال الامة، واذا كان هذا التقليد قد توقف لفترة منذ ان الغاه الرئس بيرترسون عام 1180 فانه عاد ليتكرس تقليدا سنويا منذ عام 1913 عندما اعاده ويلسون. لكن اهمية هذا التقرير اكتست بعدا خاصا عندما بدا يبث متلفزا عام 1947. ونلحظ ان كلا من هذين التاريخين اقترنا بواحدة من الحربين العالميتين. فالدولة الكبرى التي شكلها المهاجرون الاوروبيون على ارضية ابادة سكانها الاصليين، لم تحقق وحدتها، هي الاخرى الا بحرب اهلية ساحقة، ولم تر شرطا لبقائها اهم من تشكل قوتها العسكرية منذ ان قال جورج واشنطن المؤسس، في اقصر خطاب عن حال الامة عام 1790(1089كلمة ) ان الهدف الرئيس هو تشكيل جيش قوي لان افضل وسيلة للحفاظ على السلام هي ان تكون جاهزا للحرب.
الحرب لم تعدم خطب حال الامة حججا اخلاقية مفتعلة لتبريرها، منذ جعل حريات روزفلت الاربع المعلنة في خطاب 1941 مبررا لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، ضاربة بعرض الحائط بعقيدة مونرو التي كرسها خطاب 1823 والتي تتعهد بعدم التدخل المتبادل بين دول الاستعمار الاوروبي ودولة الوحدة الاميركية. الى خطاب جورج بوش عام 2001 كرس محور الشر ومحور الخير مبررا لاحتلال العراق وافغانستان.
اليوم يقول الرئيس باراك اوباما ان زمن الحروب الخارجية قد انتهى، ولكن ذلك لا يعني ان عهد التدخل في الخارج قد انتهى، بل ان الامر لم يعد يحتاج – على حد تعبير الخطاب – الى ارسال عشرات الالاف من ابنائنا وبناتنا الى الخارج. والبديل ؟ امران واضحان : الاول تغذية الاقتتال الداخلي في البؤر التي تقتضي مصالح الولايات المتحدة احداث بلبلة وفوضى وتدمير وتغيير فيها، والثاني هو حروب التفويض التي سبق وان اعلن عنها الرئيس اوباما نفسه في مناسبتين مهمتين جدا : مؤتمر الاطلسي في بروكسل وخطاب تخفيض الميزانية العسكرية. حيث يبدا التفويض اولا بالحلفاء الاطلسيين، ومن ثم يصل الى الحلفاء الخارجين عن الاطلسي، حيث يكون دور هؤلاء تمويليا وتنفيذيا دون ان يسمح لهم بالتخطيط. الحلفاء الاطلسيون، قال اوباما قبل سنتين ان عليهم التوقف عن الاعتماد عسكريا على الولايات المتحدة، وعليهم الاضطلاع بدورهم وتحمل مسؤولياتهم، وكان اول ترجمات هذا الكلام تكفل فرنسا بالموضوع الليبي، ومن ثم تكفل تركيا بالموضوع السوري واخيرا عودة الى فرنسا في قضية مالي.
يبقى الحليف الوحيد الذي ظلت يداه مغلولتين هو اسرائيل، رغم ان للدولة العبرية مصلحة قوية في التدخل العسكري في ايران، في سوريا وفي لبنان، لكن واشنطن ترى ان تدخلا كهذا سيضعف من دور وشعبية حلفائها الاخرين في المنطقة، خاصة وانهم لا يقصرون في اداء دورهم، اضافة الى ان تصعيدا عسكريا اسرائيليا في الوقت الحالي، قد يضعف الستراتيجيات الاميركية بخصوص الشرق الاوسط الجديد والكبير.
غير ان ان انكفاء العمل العسكري الاميركي، لا يعني انكفاء التدخل حفاظا على المصالح وتحقيقا للستراتيجيات، بل يعني الاعتماد اكثر على العمل الاستخباراتي والتعامل الاقتصادي والهندسة السياسية من تحت الطاولة. وهنا لن تغيب اسرائيل عن الساحة، بل سيتفعل دورها، وربما اوكلت اليها من وقت لاخر عملية عسكرية محدودة اختبارية، او هادفة لتحقيق جو ما، كما حصل في الغارة الاخيرة على سوريا او في حرب 2006.
وهنا يطرح السؤال: هل سنعود مرة اخرى الى 2006؟ فيكون لاسرائيل دور المفوض في نقل النار الى لبنان لشل سلاح حزب الله، خاصة اذا بدات المفاوضات حول سوريا؟ ام سيبقى الاكتفاء بالدور الاستخباراتي وبالضغوط الاقتصادية على البلد الصغير، المرشح الاول لدور التالي في سبحة المحور المستهدف ؟ بل في السبحة العربية والشرق اوسطية كلها؟