لمادا اختار لحظة الاتكاء!!

صحيفة الخليج، 19-01-2006

ما من شيء اكتمل… وما من شيء لم يبدا… السيجارة، المكالمة الهاتفية، وسورة يوسف في المسجل… لكأن الشاعر الكبير لم يكن يحب النقطة، خاصة نقطة الوقف، كان يفضل عليها عليها الفصلة او الجملة المقطوعة. فبعد الفصلة شيء اخر، بقية للجملة وللقصة، نوع اخر من الحضور، داك الحضور البليغ في الغياب.

واحد من اولئك القلة الدين لا يتركون للزمن، حاضره وماضيه، فسحة لغيابهم. يحتلونه بحضور مدهل، طاغ، على هدوئه الكبير. هل يملك  الزمن ان يترك فسحة لغياب  ابن الرومي او المتنبي، كي يترك مثلها للجواهري او لمحمد الماغوط؟  ككل الانهار الكبيرة حفر الماغوط مجراه واستقرت فيه ماءه حتى الاعماق السحيقة.لتجتمع في مائه وفي كل ما اينع على ضفتيه، قواقع وخمائل، اسماك نورانية غريبة الاشكال والالوان، وزهور من كل تلك التي تنبت قرب نواعير حماه مند الاله حدد. ممتدا بين ضفتين متباعدتين في الظاهر وصل داك الماء الثر النقي ما بين اخر صخب الادب الشعبي، واخر تامل الادب النخبوي. لتتقمص كلمته مرة  اشخاص مسرحيات دريد لحام ونهاد قلعي، ومرة صوغا شعريا نخبويا يؤدي دوره في كلمة الحداثة. حداثة ادرك الماغوط بعمق  بلغ حد البساطة الظاهرة، انها لا تستورد في اكياس النايلون، ولا يمكن ان يصوغها شاعر ينكب على طاولة الامتحان ويسرق بطرف عينه عن كراسة شعراء ونقاد الامم الاخرى. حداثة تعيد صياغة الخطاب الشعري بتجديد داخلي اشبه بقصة الخلق في ملحمة الاينوما ايليش: حيث ينتصر مردوخ على تعامة فيشطر جسدها الى نصفين ويكون منهما الارض والسماء.

لعب الرجل دوره العضوي في صميم ملحمة الخلق الشعري العربي، ولعب ايضا دوره العضوي في معركة  مجتمعه، واستطاع في المرحلة الاخيرة من حياته ان يتحكم بمسار حياته بشكل افضل.  لكنه اد جلس متكئا متاملا  سقط على عينيه وجه زرقاء اليمامة، فقرر ان يترك كل شيء عند لحظة عدم الاكتمال، ان يوقف جملته قبل النقطة، فلمادا؟ لمادا اراد الا يكون لحضوره المستعصي على الغياب الا شكل ما صيغ منه حتى الان؟ الأن الاتي يثير على المدى البعيد شيئا من  الاطمئنان؟ ام شيئا من الخوف؟ ام لان التوقف عند ما قيل، عند لحظة اتكاء تقع بين الوقوف والنوم هو الخيار الافضل لشاعر لم يختر ابدا اوسط الامور؟  اختار ان يقول انه  جملة لم تكتمل.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون