هذا العالم العربي المشوه، لم تعد معركته مع الصهيونية بل مع اليمين الاسرائيلي فحسب. وهكذا انتهت مشاغل الجامعة العربية التي حلت كل مشاكل العرب وحررت كل المحتل علنا والمحتل واقعا. وبما ان الثورات العربية العظيمة قد امنت انتخابات ديمقراطية ونزيهة خالية من شراء الذمم بالعصبيات الدينية والعرقية والفئوية على انواعها كما بالمال السياسي، وبما ان الجامعة العربية اصبحت الكيان الذي يقرر مصير المنطقة والعالم بعيدا عن اية تبعيات واملاءات وخضوع، فانه لم يعد امام هذه المؤسسة الا ان تنخرط في الانتخابات الاسرائيلية وتقرر مصير اسرائيل ومن ثم العالم. ولاجل ذلك اختار حلفاء النيوليبرالية الغربية مناصرة اليسار الاسرائيلي، وتوجيه الدعوة الى عرب فلسطين لمنع نجاح اليمين.
ذاك على اساس ان اليمين محتل اما اليسار فقد جاءنا مبشرا بالاخوة واحترام سيادة البلد المضيف، من رمزه التاريخي بن غوريون الى رمزه التاريخي بيريز، مرورا بتسيفي ليفني التي تفاخر في سيرتها الذاتية بقيامها باغتيال ابرز العلماء العرب يحي المشد. ليفني التي كانت اول من صرح من الدوحة بان على الدول العربية ان تنضم الى اسرائيل في تحالف ضد عدو مشترك هو ايران، ويومها مازحها وزير الخارجية القطري امام الصحفيين : هل تعرفين كم اغضبنا من العرب كي نستقبلك في هذا الملتقى في قطر؟ ومؤخرا كان القطري هو من غضب لان محمود عباس لم يقبل التعهد باسم دولة فلسطين بعدم ملاحقة اسرائيل بجرائم ضد الانسانية بعد ان منحه اعتراف الامم المتحدة بدولته هذا الحق، وعليه الغيت زيارة الامير الى رام الله وحجبت المساعدة المالية التي كانت قد وعدت بها السلطة لحل مشاكلها. من يدري اذا كانت المساعدات العربية تتجه بالتالي الى دعم قرار الجامعة العربية بانجاح اليسار الاسرائيلي؟
اجل قررت الجامعة العربية ان تنضم الى حزب العمال او كاديما او هاتنواه او يئيش اتيد، وقررت ان على العرب الفلسطينيين ان يتبعوها وليمت نتنياهو غيظا فهذا هو التحرير، اما دعاة عدم الاعتراف باسرائيل، والمذكرون بقرارات المقاطعة، برفض التطبيع، فلا داعي لان يغتاظوا لان الجامعة لم تعد تعترف اصلا بوجودهم. واما القول بانتماءات اخرى لاحزاب ومنظمات عربية مقاومة فامر لم يعد على الموضة ولحق بالميثاق الوطني الفلسطيني الى خانة (كادوك). بل ان المبادرة العربية قد لحقت بهما ايضا الى هذه الخانة.
قد يقول قائل ان هذا التمني موجه اصلا الى عرب ال48، اي عرب الدولة التي يعترف بها العالم كدولة اسرائيل وليس الى فلسطينيي الارض المحتلة عام 1967 والشتات، ولكن لماذا لا تتجه الجامعة الكريمة الى دعم هؤلاء ليشكلوا هم انفسهم قوة على ارضهم بدلا من تجييرهم لليسار الاسرائيلي؟ هذا اذا تركنا جانبا اشكالية التعامل مع هؤلاء العرب، التي لا يتسع المجال لها الان. اشكالية لعل ظاهرة عزمي بشارة تكفي وحدها لاثارة الاف الاسئلة في اطارها.
ولكن : اين هو اليسار ؟ الم يتشظى ويتعرض لزحف بعض احزاب اليمين ؟ ثم هل من فارق بينه وبين هذا الاخير الا في القضايا الداخلية، حيث لم يطرح العمل خلال الحملة اية طروحات بشان السلام، وحتى الاكثر علمانية، يئير يتيش، الذي تحدث زعيمه عن المفاوضات، وضع القدس خارجها ولم يستبعد الانضمام الى تحالف بقيادة نتنياهو. فلماذا هبّة الجامعة اذن؟ خاصة وان عرب ال48 لا ينتظرون الجامعة العربية ليقرروا وجهة اصواتهم، فلماذا هذا التبرع المجاني ؟ سؤال لا يحتاج جوابه للكثير من التفكير، خاصة وان الجميع يعرف ان اليمين قادم هناك ولن يغير الموقف العربي الرسمي في الامر شيئا. جواب يقول ان المقصود الحقيقي به ليس رسالة توجه الى الناخبين العرب، بل هي رسالة توجه الى الغرب والى اسرائيل مفادها ان الدول العربية مجتمعة تكسر رسميا جدار القطيعة مع الدولة العبرية، تعترف بها فعليا، وتطبع معها سياسيا بحيث تنخرط في انتخاباتها التشريعية. دون ان نجد على مقاعد الدول العربية من يعترض، بعد ان اخرست كل الاصوات المعترضة اما بالقضاء عليها واستبدالها واما بوضعها تحت التهديد. بما فيها صوت دولة فلسطين نفسها.
انه الربيع العربي الذي بدا عام 1990 وليس عام 2010 يضع الاخضر جانبا ويلوح بالازرق والابيض، ولم لا طالما انه لم يعد هناك من يتجرا على الاعتراض؟