العراق من جديد

العراق، 14-01-2013

كيف نقارب ما يجري في العراق بعد سوريا وبعد سلسلة طويلة اولها ابعد من احداث تونس واخرها لا ينبىء بخير لدول الخليج العربي، خاصة بعد اكتشاف خلية الامارات وبعد ما تسرب عن الجلسة السرية للبرلمان الكويتي؟

هل نحن امام مالطا جديدة؟ امام اعلان بريطاني جديد؟ امام سايكس بيكو جديدة؟

الخريطة مشدودة باستمرار على الطاولة، والاقلام الزرقاء والخضراء (اضيفت اليها الوان اخرى) لم تنفك تعمل عليها خطوطا تتطور اتجاهاتها مع كل معطى جديد ولا جديد في الجديد لانه كله يندرج ضمن عنوانين ثابتين: الثروات الطبيعية واسرائيل. غير ان الاولى تجلت هذه المرة في الغاز بعد ان كانت طويلا تتركز في النفط.

برلسكوني يقول امس ان ما حصل في ليبيا لم يعدو كونه التفافا فرنسيا على ايطاليا للحصول على الغاز الليبي، وفي اكثر من كتاب صدر مؤخرا في الغرب تفاصيل عن ترتيب موضوع غزو ليبيا بين قطر وفرنسا قبل اية انتفاضة شعبية في ذلك البلد. المهم ان البلد لم يكن المقصود بل غازه، سواء من قبل هذا او ذاك.

المصادر نفسها تقول ان المخطط لسوريا كان يستنسخ التجربة الليبية، لكن حسابات الحقل لم تتحقق على البيدر، ورغم الارباك الذي وقعت فيه السلطة في البداية، رغم التباطوء في ادارة الازمة نتيجة عقلية متكلسة لا تصلح لذلك، رغم انكشاف ضعف الحزب الحاكم والاجهزة الامنية، الا ان الجيش العربي العظيم تمكن من تلقف الكرة، ومن صد الهجوم الشرس الدولي العربي، ان لم يكن قد تمكن بعد من دحره. وبالتوازي كانت الديبلوماسية تخوض معركتها بنجاح وتتصدى بتماسكلها لكل توقعات الانهيار. بالمقابل كانت المعارضة الوطنية العريقة، في الداخل والخارج تجسد صلابة نادرة في تمسكها بثوابتها الوطنية والقومية وفي عدم قبولها لعروض الرشوة والارتزاق، وعدم خلطها بين معارضتها لنظام حكم وبين قبولها بتدمير الوطن ارضا وشعبا، فترفع شعارها الثلاثي: لا للعسكرة، لا للطائفية، لا للعنف. لم تنجح في تطبيق هذا الشعار، وابعدها تامر عربي- اوروبي عن واجهة الصورة السياسية ليحل محلها معارضة ماجورة مرتزقة لا تعنيها سوريا الا بقدر ما يمكن ان تحمل لجيبها من منافع وما يمكن ان تؤمنه لها من الظهور في الاعلام. وغطت هذه المعارضة المفبركة المرتزقة العسكرية التي يحمل بعضها حقد مذهبي وجهل ويحمل قادتها برنامجا معينا يعرفون كيف يخدمونه.

جوهر هذا الحلم سوريا ضعيفة مهزوزة ينطبق عليه ما خلص اليه خبراء مركز بيغن -السادات في اسرائيل : ” ليس المهم من يحكم بعد الاستنزاف، لان الدولة السورية تكون قد ضعفت وخطرها قد انتفى”. لكن جوهر هذا الحلم خريطة فرنسية قديمة ما تزال في الادراج لتقسيم سوريا الى دول ثلاث على اساس مذهبي ورابعة على اساس عرقي. خريطة لا تقبل بان تكون حدود مفاعيلها سوريا الحالية، وانما لا بد من مدها الى سوريا الطبيعية كلها، وعليه لا بد من العودة الى العراق، فاذا كانت سوريا قد شكلت عائقا لنجاح تقسيم العراق في السنوات العشرالاولى من القرن، فان العراق الان يشكل خط امداد لسوريا يساعدها على الصمود، خط لا بد من قطعه، وافضل السكاكين هي السكين المذهبية. اجل ان نظام المالكي فاسد، حسنا ولكن اي نظام جاء بعد الاحتلال لم يكن فاسدا؟ فلماذا لم يدعم احد غير سوريا اي حراك احتجاجي او مقاوم في السابق؟ مظلومية السنة. حسنا ولكن الم يكن العراقيون مظلومين منذ انطلقت طائرات الاميركي من اراضي السعوية لتفرض عليهم الحصار وثم من قطر لتحتل بلادهم وتدمرها، فلماذا لم ترفع هذه الدول شرها عنهم بدلا من ان تغذي اليوم صبغ حراكهم باللون المذهبي، استكمالا لما عجز الاحتلال عن تحقيقه؟ اجل ان مطالب المتظاهرين حق، ولكن ما دخل مطالب المتظاهرين بجرائم ارتكبها شركاء الحكم؟ هل يكفي ان يكون المتجاوز سنيا ليغفر له لدى السنة وشيعيا ليغفر له لدى الشيعة؟ وهل يجوز ان يصبح طارق الهاشمي او رافع العيساوي او نوري المالكي ثمنا مبررا لتقسيم العراق؟ خاصة وانه من المعروف علميا ان الانقسام تحت الاحتلال يكون اقل حدة لان ثقل الاحتلال يوحد، لكنه بعد زواله الشكلي يصبح اكثر خطورة وعنفا. فهل على هذا راهن الاميركيون والغرب عموما بعد ان تركوا وراءهم قنبلة متواترة التفجر هي القنبلة المذهبية، التي ان التقت بقنبلة الفساد في بلاد رحبة الخيرات، وبقنبلة الاحقاد في ظل تاريخ سياسي عمّقها، كان الحصاد رهيبا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون