السجين الرهينة

السياسة العربية الأوروبية، 16-01-2013

هي لم ترد القطيعة مع تاريخها الاستعماري ولكنها ارادت القطيعة مع تاريخها كدولة قانون. فرنسا فرانسوا هولاند، لم تختلف كثيرا عن فرنسا نيقولا ساركوزي، فذاك ارسل طائراته الى منابع النفط الليبية، وهذا يرسل طائراته الى مناجم اليورانيوم المالية النيجرية. ذاك مدد فترة اعتقال جورج ابرهيم عبد الله بامر من وزيرة العدل رشيدة داتي وهذا مدد فترة اعتقاله بامتناع من وزير الداخلية ايمانويل فايس. مخالفة قانونية في الاولى، وتعد على القضاء في الثانية. القضاء اصدر حكمه بالافراج عن المناضل اللبناني الكبير الذي تحول الى رمز عالمي، ولكنه اشترط ابعاده خارج الاراضي الفرنسية، فكانت الثغرة : لا يوقع وزير الداخلية قرار الابعاد، اذن يبقى الرجل في السجن. لماذا؟ لان فيكتوريا نولاند قالت بان بلادها لا ترى انه يصح الافراج عنه. وجاك فيرجيس يصف الوزير بانه صديق اسرائيل وجندي صغير لدى الولايات المتحدة.

لكن المشكلة ليست هنا، بل هي في اليتم الرسمي الذي يعيشه المناضلون العرب. اليتم الرسمي العربي الذي لا يترك سندا لهذا الاستاذ الثانوي الذي انطلق يوما على دراجة نارية من قريته القبيات الى مخيم نهر البارد ليتطوع ويتدرب  دفاعا عن القضية الفلسطينية، وعندما وصل الاجتياح الاسرائيلي الى بيروت شكل جورج فصائله لمقاتلة الجيش المعتدي في اطار المعركة نفسها. على خطى وديع حداد وكمال خير بك وفؤاد الشمالي نشر معركته على كل الساحات وفي كل الاطر، الى ان اوقعت  به المخابرات الفرنسية عن طريق لبنانيين عملاء في فرنسا. لم يكن لجورج وامثاله الكثير من الاباء على الصعيد الرسمي العربي عندما وقع اسيرا، ولكن لم يعد لهؤلاء لا الكثير ولا القليل من الاباء وقد كشف هذا النظام الرسمي، دون خجل عن تواطؤه او تخاذله فيما يجعل من جورج وامثاله ايتام بلاد ينتمون اليها ورهائن بلاد يحاربونها وتحاربهم. فكم تغيرت البلاد التي تركها جورج منذ ثمانية وعشرين عاما !! كم اصبح المناضلون الثوريون العلمانيون ” مش على الموضة “، وكم اصبحت الكيانية الانعزالية مكرسة ومستقرة بحيث لم تعد قضية كقضيته تخص الا الحكومة اللبنانية، التي تمارس بدورها تحركا خجولا وعاجزا عن مواجهة الضغط الوقح من اسرائيل والولايات المتحدة. لم يعد هناك زعيم عربي كبير واحد يمكن ان يدعم قضية تحرير هذا الاسير الذي تحول الى رهينة حتى عندما تصبح حريته مسالة قانونية بحكم قضائي. فمن الذي سيدعم لبنان في قضية مقاوم مقاتل؟ ومن الذي سيدعم مقاتلا يساريا علمانيا معلنا؟

سؤالان يلقيان الضوء على جوهر العناد الاميركي – الاسرائيلي في قضية عبد الله، فالمسالة ابعد من شخص، وابعد من حكم قضائي. انها مسالة هيدرا المقاومة وهيدرا العلمانية العابرة للطوائف والمذاهب، وهيدرا النضال القومي المشترك العابر للكيانات القطرية التجزيئية السياسية. اذن مسالة كل ما قاتلت السياسة والة الحرب الاميركية – الغربية – الصهيونية، طوال العقود الثلاثة، لطمسه وما جهدت في ارسائه بديلا : الاستسلام مقابل روح المقاومة، الطائفية والمذهبية مقابل العلمانية، الانعزالية والانكفاء القطري مقابل الحس والالتزام القوميين، الليبرالية مقابل اليسار. من هنا فان عودة مناضل كجورج عبد الله وما يمكن ان يثار حولها من حفاوة جماهيرية هي احياء غير مرغوب فيه ليس من قبل الغرب فحسب بل ومن قبل العرب انفسهم. غير ان المازق فرض نفسه، فالناس ما زالوا هنا، والرجل الذي لم يعد بجسده عاد منذ اعلان اطلاق سراحه الى شوارع بيروت وفرض نفسه على الاعلام، فرضا تصاعد اكثر مع القرار الفرنسي باحتجازه رهينة رغم قرار القضاء. فكان فضيحة دولة القانون التي تنام وتصحو على تلقين الدروس للعالم ولسوريا بشكل خاص، فيما ترسل طائراتها لقصف ليبيا ومالي، لا لشيء الا لان في هاتين البقعتين ثروات طبيعية يمكن ان تحل بهما مشكلتها الاقتصادية على حساب شعوب الارض. واذ تطلق على حملتها اسم الحرب الليبية الثانية، فانما تجد بذلك تاييدا شعبيا كاملا باستثناء الشيوعيين الفرنسيين وبعض اطراف ما يسمى باقصى اليسار. تاييد سيكون هو نفسه بخصوص جورج عبد الله الذي قالت السلطات سابقا بانها تخشى اطلاق سراحه لانه قد يعاود نشاطه في بلاده !!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون