لبنان ساحة جهاد مؤجلة، عنوان لتقرير صحافي في جريدة السفير يثير الرعب، فهل ستغلق خاصرة في جسد الامة لتفتح أخرى جديدة؟ أم أن أكثر من خاصرة جديدة ستفتح بدليل ما قاله الأخضر الابرهيمي، من أن العنف السوري سيطال الجوار وما بعد الجوار؟
التحليل اللبناني يقول إن المعركة مؤجلة لأسباب واضحة وهي أن المعارضة السورية تستعمل لبنان كقاعدة خلفية للتحشيد والتدريب والامداد العسكري وغير العسكري، لكنه تأجيل سينتهي اذا ما انتهت المعركة هناك، خاصة إذا ما كانت نهايتها تستدعي روحا ثأرية لدى المجموعات الأصولية الجهادية المحششة في عين الحلوة وبعض البقاع والشمال. أوساط الأمن والجيش يخشون أن يتجه هذا الانتقام اتجاهين: واحد يعمد الى إشعال الساحات، وهذا ما حصل فعلا في طرابلس منذ أمس، وآخر يعمد إلى عمليات انتقامية ضد كبار الضباط، واغتيال فرانسوا الحاج، ومحاولة اغتيال جان قهوجي يحضران كنموذج.
ولكن اشارة الإبرهيمي تحيلنا الى ما يتعدى لبنان، فمن هي الدول المرشحة للعنف إضافة إلى لبنان؟ العراق؟ تركيا؟ الأردن؟
العراق بدأ، بل استؤنف وهو الساحة الأكثر جاهزية تركيا أطلق فيها العنف إرهاصاته الأولى، واذا كان الضبط الأمني قد تمكن من ضبطها مؤقتا فالسؤال المُلّح: إلى متى؟ أما الأردن فسؤال يبقى معلقا أيضا ولا بد لكل مخلص أن يتمنى له إجابة ايجابية، بل وأن يساهم في اجتثاث أي من أسبابه.
أردوغان يعترف بدعمه – الذي يسميه لوجستيا – للمعارضة المسلحة. ايران لا تخفي دعمها اللوجستي أيضا. حزب الله يشهر دعمه وتدخله في المعارك، لسببين واضحين يتجاوزان دعم الحكم السوري: الأول هو حماية قواعده خاصة مخازن صواريخه في البقاع والثاني منع إقامة إمارة اسلامية في المنطقة الحدودية، كانت ستشكل إعلان حرب مدمرة سنية – شيعية في البقاع نفسه، تمتد الى الشمال وتحديدا طرابلس.
من هم داخل الأمة لا يملكون إلا أن ينخرطوا في كل ما يحصل على جزء منها. ومن هم جيرانها يتدخلون لوجستيا لدعم محاورهم، ومن هم بعيدون يناورون سياسيا لتقاسم المصالح.
لبنان مستهدف لذاته، وتحديدا أكثر لمقاومته، وليس لأجل بشار الأسد. وربما تكون هذه المقاومة السبب الرئيسي للحقد على سورية. العراق مستهدف لذاته لأنه القاعدة الأقوى لهذه الأمة رغم كل الدمار الذي الحق به. وعليه فإنهما مختلفان عن الوضع التركي، اذا يكفي تغيير حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا لتتغير الأمور، وهذا ممكن عبر الانتخابات، لكن ذلك يعني أيضا أن هذا الحزب بقيادة أردوغان واوغلو سيزيد من شراسته في التدخل في سورية دفاعا عن بقائه، بعد أن كان الأمر بالنسبة له تحقيقا لحلم العثمانية الجديدة، التي نظّر لها أوغلو.
أما نحن في الأردن فإن الأمور لدينا لا تقل تعقيدا، ولكن ضبطها أكثر امكانا لأسباب تتعلق بالقدرات الأمنية الأردنية ولطبيعة العلاقة بين الحكومة والمعارضة. اللهم اذا اقتضت تصفية القضية الفلسطينية تنفيذا لمخططات خبيثة بحق البلد. وهنا نجد من المفيد نقل الأسئلة التي طرحها ضابط امني لبناني كبير على محلل في صحيفة “السفير” أن «الهدوء الذي نمر به حالياً، بحد ذاته، ينذر بعاصفة أمنية قابلة لأن تنفجر فجأة: هل تخيّل النظام السوري، يوماً، أن تتحوّل بنادق الجماعات الأصولية إليه؟ كانوا يتوجهون إلى العراق، لكن في الوقت ذاته حفظوا الأراضي السورية وراكموا الخبرات الميدانية. حينها، كان الوضع في سورية هادئاً “… : «ماذا نعرف عن عدد اللاجئين السوريين في لبنان حالياً؟ ماذا يفعلون؟ أين ينتشرون؟ أين معاهد التدريس الدينية ومن يرتادها؟ من يضمن عدم نشوء حالة ثأر فردية تخرج عن التنظيم؟ أو أن تستعمل هذه الحجة كثوب فضفاض تستفيد منه الجماعات الأصولية والدول التي تحركها. خاصة وأن هذه الجماعات الجهادية تعتمد بوصلة أساسها المعارك في سورية. عندما تميل لكفتهم يستكملون ويكثفون جهودهم هناك، وعندما تتضاءل، يشعلون فتيلاً في لبنان”
وفيما يقول رئيس أحد الأجهزة الأمنية المحلية لـ«السفير»، إن «الأمن الوقائي تجاه الشبكات الأصولية المتعددة الجنسيات في لبنان، لم يبلغ الحد الأدنى من المستوى الأمني المطلوب»، يوضح مصدر في جهاز أمني آخر: «لبنان أصبح ساحة مفتوحة للتكفيريين، وهؤلاء يتوغلون في المخيمات الفلسطينية، فماذا نستطيع أن نفعل؟ خاصة وأن المخبرين الذين تجندهم الأجهزة الأمنية، كي يخترقوا التنظيمات الأصولية، كثيرا ما يتعاونون معهم”؟
قد لا تنطبق هذه الهواجس اللبنانية في تفاصيلها على الجميع لكنها تبقى مفيدة للتأمل.
