البابا.. أبعد مِن استقالة

شؤون دولية، 19-02-2013

أبعد من مسألة استقالة، وأبعد من شخص قداسة البابا بنديكتوس، يأتي الحدث الفريد في تاريخ الفاتيكان ليثير اكثر من تساؤل لدى من يعرف حقيقة الاستهداف الذي يصوب الى الكنيسة الكاثوليكية منذ قرون. حيث انطلقت الدعوة ومن ثم النشاط لتهويد الكنيسة الكاثوليكية منذ القرن السادس عشر ونداء حاخام باريس المشهور: “ادخلوا كنائسهم واهدموها على رؤوسهم” ومنذها دار الصراع بين المدافعين عن الكثلكة داخل الكنيسة الاوروبية و الساعين الى اخضاعها للتهويد وما يرتبط به من سياسات. صراع بلغ اوجه مع بروز تيار الكاردينال جان ماري لوستيجيه. وهو اليهودي الذي لم يعتنق المسيحية الا في سن البلوغ وكان يقول بصراحة انه انما فعل لكي يثبت انها امتداد لليهودية. غير ان الكاثوليكية التقليدية لم تسلم بهذا النفوذ وظل الصراع حادا داخل الكنيسة بين التيارين. وعندما طغت على الساحة الاعلامية والفنية قضايا الاغتصاب الجنسي، كان المطلعون الاوروبيون من تيارات العلمنة وحتى الالحاد يقولون لنا انها حملة اعلامية مدروسة ومبرمجة لتحطيم الكنيسة الكاثوليكية ولذلك لم تتعرض البروتستانتية التي حصلت فيها فضائح مماثلة واعترف بعضها بالزواج المثلي لاية حملة مشابهة.

النقطتان الابرز في المواجهة – عدا المواجهة العقدية – كانتا تكمنان في موقف البابوية من هيمنة اللوبيهات اليهودية ومن الصراع العربي الاسرائيلي، ومن السياسات الغربية خاصة سياسات المحافظين الجدد. مع ما يتفرع عن ذلك من مواقف تفصيلية من مثل الحرب على العراق، موضوع مسيحي الشرق، موضوع النيوليبرالية، موضوع حوار الحضارات والاديان في وجه تسويق نظرية صراعها، قضية الحرب على لبنان مثلا واخيرا موضوع الحرب في سورية. وللضغط على البابا كانت افضل وسيلة تنفع في التأثير على العقلية الغربية هي اتهام شخص البابا او اي كاردينال اخر بماض نازي، خاصة مع الالحاح في الضغوط حول موقف الكنيسة في الحرب العالمية الثانية ما يسمونه ابادة اليهود، ومطالبتها بالاعتذار والتعويض. تعويض لا تكتفي المؤسسات اليهودية بجعله ماديا وانما الاساس فيه ان يتمثل في المواقف السياسية من القضايا الحالية. البابا الحالي خيب آمال هذه اللوبيهات في اكثر من امر، وخيب آمال اللوبي اليهودي داخل الفاتيكان نفسه، ولذلك كان لا بد من اثارة فضيحة تفرض عليه الاستقالة، فكان اتهامه بالنازية والدعوى التي اقيمت ضده بتهمة جرائم ضد الانسانية، ثم كتاب قداسة البابا ثم فضيحة “فاتيليكس” وفاتيليكس هو موقع أنشئ حديثا لنشر مئات الوثائق المسربة التي تتهم الفاتيكان في قضايا أخلاقية.واتهم بها الخادم الخاص لقداسة البابا، الا ان المعلومات الادق تدلل على ان هذا الخادم لم يكن الا كبش فداء خاصة مع التوصل الى تورط خبراء المعلوماتية في الكرسي الرسولي في الامر. وتصريح الأمين الخاص للبابا جورج غانزوين حول شكوكه بشأن ضلوع الخادم غابريلي في تسريب الوثائق السرية التي نشرها الصحافي الإيطالي جيانلويجي نوزي.

واللافت فيما نشره موقع فاتيليكس، الذي قيل انه لشخص ايطالي مسيحي، ان الهجوم لا يقتصر على اتهامات فساد تتلخص في ما سماه المماحكات، الهبات والدسائس، بل يتعرض للإنجيل المقدس الذي يؤمن به أتباع الكنيسة الكاثوليكية، ويشكك في تلك العقيدة ككل.وهذا ما لا يمكن ان يفعله ايطالي او كاثوليكي او حتى مسيحي، اضافة الى انه يتجاوز شخص البابا ومؤسسات دولة الفاتيكان ككل. وما يعزز الشكوك في هوية القائمين على الموقع تركيزهم في مقال حمل عنوان:” مطلوب بابا جديد” على ثلاثة امور: مسألة التشكيك في الانجيل والعقيدة، من جديد، والتأشير الى ماضي البابا وماضي الكنيسة فيما لا يعني الا مسالة تاريخ الحرب العالمية الثانية الذي اشرنا اليه، والتركيز على موضوع الخمر ( بالقول ان البابا يشرب الخمر، وان العاملين في الفاتيكان يتقيؤون الخمر عندما يسكرون ) وهذا ايضا لا يمكن ان يكتبه اوروبي مسيحي لان الخمر مع الطعام هو بالنسبة للايطالي كالماء لدينا.خاصة وان التعابير المستعملة تكفي لتبيان دلالاتها السياسية من مثل: ” إخفاء خطايا الماضي من خلال وثائق مزورة “، “إخفاء حقيقة أن الفاتيكان اصطنع تاريخا مزيفا لنفسه”، “الرفض السياسي الحالي للكنسية الكاثوليكية في الولايات المتحدة ودول أخرى”، “ضغوط قادة البنك الدولي المستمرة على بنك الفاتيكان”،تقديم البابا للإنجيل على أنه “كلمات الإله المحض” من دون أن ينفجر في الضحك. ” الأناجيل ليست عبارة عن مجموعة من السير الذاتية حول المسيح ولكنها تلفيقات كهنوتية غير تاريخية”. “تاج البابوية المعروف من التقاليد البابلية الوثنية” لينتهي الى تهديد ضمني بالقول ” ان الاتهام بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” الموجهة للكرسي الرسولي والدعوى التي اقيمت في لاهاي، أساسا ضد البابا بنيديكيت السادس عشر، سيرثها البابا الجديد”. اللافت اخيرا ان الكيانات التي ارتبطت بقضية الفاتيكان، حسب الكتاب والموقع ” هي: عصابات مجليانا التي كانت تعد أقوى مافيا في روما، والاستخبارات الأمريكية والإيطالية وكذلك المخابرات السرية لعدة دول، إلى جانب السفارة الأمريكية في روما وعصابات مافيا من سيسيليا، وهي على علاقة بالتركي محمد علي أغا الذي حاول اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في سبعينيات القرن الماضي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون