لا يدور النقاش حول صحة المفاوضات أو عدمها، بل حول من له الحق بأن يفاوض، ولا يعود أمر إغراق الأنفاق جريمة بحق الشعب الفلسطينيين، الذي أصبح اسمه شعب غزة وشعب الضفة، بل يدافع عنه جماعة حماس بحماس، بدعوى أن الأنفاق التي أغرقت “تقع على الحدود الفاصلة بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة ” وهي عبارة يكررها الرجل الذي ينطق عن حماس في المواجهة التلفزيونية مع الرجل الذي ينطق باسم فتح مصرا على استعمال اسم قديم لم نعد نسمعه منذ فترة: “حركة التحرير الوطني الفلسطيني”. أما سبب الموافقة على إغلاقها، فليس أبدا الانصياع المصري- الحمساوي لشرط إسرائيل التي تسيطر على ” الأراضي الفلسطينية المحتلة !!” وإنما لأن هذه الأنفاق مضرة بمصالح الشعب الفلسطيني، لأنها تستعمل لتهريب مواد مضرة! ولأن عمليات التهريب فيها لا تخضع لضبط حكومة غزة التي تفاوض لأجل أمور إنسانية، منها منع المواد المضرة…سواء كان الإضرار بـ ” شعب غزة!!” أو بدولة الاحتلال.
التوقف عند تعبير الحدود الفاصلة بين القطاع وفلسطين المحتلة يستدعي أسئلة مثل: ألأجل هذا انسحبت إسرائيل من قطاع غزة؟ وهل سيقال لنا غدا أن القطاع وحده هو من يملك حرية التصرف كدولة لأنه خارج الاحتلال؟ وبناء عليه فله أن يفاوض بحرية؟ وهل أصبحت هذه الحدود جدارا آخر غير الذي بناه الصهاينة بالحجر والأسمنت؟ أما التعبير الآخر: مواد ضارة !! فمن الذي يعرف ما هي المواد التي تهرب عبر الأنفاق؟ ولماذا لم تتدخل ” الحكومة الشرعية المنتخبة – التي استطاعت أن تقضي على وجود السلطة المنتخبة أيضا في غزة “!!- لإغلاق الأنفاق بدلا من ترك حكومة الإخوان في مصر تغرقها بغائط مجاريرها؟
وهنا نصل إلى بيت القصيد: هل كانت مشكلة إغلاق الأنفاق في من يغلقها، فإن أقفل حكم مصري معاد للإخوان أبوابها ضج العالم العربي كله بصراخ الخيانة والتآمر – وضججنا معه مصدقين صدق الاتهام – أما عندما يقدم حكم إخواني في مصر على هدمها ومن ثم إغراق جزء منها بماء المجارير، فإن هذا الماء يجعلها مضرة بمصالح الشعب الفلسطيني ومجال تهريب للمخدرات ومجال لا تسيطر عليه الحكومة الإخوانية في غزة. وحتى إذا صح هذا البند الأخير: فمن يقول إن التنظيمات الأخرى لا يحق لها استعمال الأنفاق للالتفاف على الحصار وتأمين ما يحتاجه جمهورها؟
كذلك عندما تقوم سلطة رام الله بالتفاوض وتعلن نبأ هذا التفاوض على نحو واضح، فإننا ندينها ويزاود علينا الاسلاميون في إدانتها، أما عندما تقوم حماس بالتفاوض وتتعمد إطلاق تصريحات متناقضة حول صحة الخبر، ثم تعلله بالجانب الإنساني، فإن العذر يكون في أن الحكومة الوسيطة ليست عمر سليمان المدني وإنما إخواني تجمعه بحماس رابطة الإسلام السياسي، وهي ما يحدد مصالح الشعب الفلسطيني.
منذ سنوات ونشطاء الحركة الوطنية من يساريين وقوميين وليبراليين، يقبلون الانضواء وراء القوى الإسلامية أو على الأقل التحالف معها والمبرر الوحيد يتمثل في أمرين: الموقف من المسألة الفلسطينية أولا ومن الأنظمة القمعية الفاسدة ثانيا. وهذا ما جعل الجميع في مصر يمنحون أصواتهم لمحمد مرسي، كما منحوها في فلسطين لحماس، لتبرز من ثم المفاجأة في أن مجرد الحلول على الكرسي محل تلك الأنظمة، يستنسخ ممارساتها وأول الغيث قطرة، وأول الحراك بشأن فلسطين هو سحب حماس من ادعاء ممانعتها. لقد كانت كل المشكلة فيمن يحكم لا في كيف! وكانت كل المشكلة فيمن يفاوض لا في كيفية التعاطي مع الحق المنتهك! وبالتالي فيمن يحكم ما تبقى من فلسطين لا في كيف!