فجاة تحول معاذ الخطيب المعروف بطائفيته ومذهبيته الحادة الى واحد من رسل السيد المسيح، ووجه الى المسيحيين السوريين رسالة من الارجح ان احد اعضاء مجلس اسطمبول المسيحيين قد كتبها له. واخد ليس بالتاكيد ميشال كيلو الذي طفح به الكيل اخيرا فكتب مقالا مطولا في جريدة السفير اللبنانية يكشف فيه السلوكيات الطائفية المذهبية للمجلس كما يكشف بصراحة – عما يعرفه الجميع- من استعمل بضعة مسيحيين او علمانيين كغطاء لتجمع الاسلام السياسي المحرك للمجلس بدعم قطري.
على اية حال فان منطق كيلو ليس مقبولا لانه لم يكن يستطيع ان يخرج من عقدة الاقلية وهو يقارب المسالة السورية، في مقالات سابقة، وككل اصحاب هذه العقدة، كان يقدم لمقاله ببيان حسن سلوك للمسيحيين العرب، بل وله ولابيه احيانا. ولذا فلا قيمة لكلامه الا قيمة : وشهد شاهد من اهله. اما الاخر، معاذ الخطيب، فانه لا يذكر الا بالدجال، وهو يناجي المسيحيين ب : احبائي، ويرجوهم الا يرحلوا،لانه اخر المسيحية الشرقية الاصيلة، بل وهو يناجي السوريين – كما السيد المسيح : احبوا بعضكم بعضا ولم ينقصه الا ان يكمل : كما انا احببتكم.
بعض الكتاب عابوا عليه انه خص المسيحيين ولم يذكر سائر الاقليات السورية من دروز وعلويين وغيرهم، وبعضهم سال عما اذا كانت رسالة المحبة الكاذبة هذه ستعيد الذين تم رميهم من الطوابق العليا ومن تعرضوا للذبح والقتل (الحلال) تطبيقا لفتاوى جهادية، ومن هجروا خوفا على ما تبقى. فيما توقف اخرون عند تذكير الخطيب بان مسيحيي دمشق قد احتموا بوجهائها وخاصة الامير عبد القادر الجزائري عندما تعرضوا لمذبحة على يد الاصوليين التكفيريين عام 1860. وكأن التاريخ يعيد نفسه الان فالخطيب يراس تحالفا يضم احفاد التكفيريين فيما يحمي احفاد اشراف دمشق ابناءها.
غير المسالة الجوهرية ليست في هذا كله، بل في سؤال بسيط: هل نحن اقليات واكثريات يحمي او يقتل بعضها بعضا، ام نحن مواطنون في وطن واحد، نتفق ونختلف على خلفيات فكرية او سياسية او ثقافية تجعل كل منا يرى مصلحة الوطن في انتهاج هذا الخط او ذاك، رؤى لا يجوز لها ان تخرج باي حال عن اطار الثوابت الوطنية التقليدية لكل وطن من اوطان الارض. كما انها لا تخرج اطلاقا عن مفهوم المواطنة الذي يجعل كلا منا مساويا لاخيه في الوطن، لمجرد انه يحمل الهوية وينتمي الى الارض والمجتمع. لا فضل لمواطن على اخر الا بقدر فائدته للوطن، ولا حاجة بمواطن لحماية الا حماية الدولة والقانون. واذا كانت المراحل السابقة قد وسمت بنقص في تطبيق هذه المفاهيم فان اي عملية اصلاح يجب ان تتوجه لتفعيلها وتنميتها والا فانها لا تعدو كونها عملية تخريب وتدمير وتامر على الوطن والمواطن. لقد انتهى – الى غير رجعة – العهد العثماني الذي كان يصنف فيه المواطنون الى درجات بحسب طوائفهم واديانهم، واذا كانت العثمانية الجديدة تعزز لدى بعض العرب الحنين الى هذا التوزيع، وفرضه ولو بالدم والنار على الناس، فان اهل سوريا الطبيعية كلها قد عادوا منذ قرن ونيف الى حياة المواطنة في كنف دول كانت تشكو من الكثير من الشوائب لكنها لاتشكو من المحاصصة والطبقية الطائفية. كان لبنان وحده هو الذي يشذ عن ذلك، ولذا كان نضال الوطنيين الحداثويين فيه يتركز على الغاء النظام الطائفي، الى ان جاءت الحرب الاهلية فكرسته اكثر. ومن ثم جاءت حرب العراق لتلبنن العراق، والان يتركز جوهر المعركة في سوريا حول بقائها دولة مواطنة واصلاح عيوبها او تحويلها الى دولة محاصصة مذهبية طائفية، اي الى اجزاء يرتبط كل منها بطرف خارجي، بحيث لا يظل هناك من وجود للدولة الا في الاستعراضات الرسمية.
في هذا السياق، لا باس من تطييب خاطر الحلفاء الغربيين الى النوايا الحسنة بشان المسيحيين، اومنح هؤلاء الحلفاء ذريعة امام اتباعهم، ولا اهمية بعدها لتطبيق هذه النوايا على ارض المعارك، فالمهم هو الاعلام. واذا كنا ولا يقل الحليف المسيجي اللبناني هنا اهمية عن الغربي لان القوات اللبنانية تشكل العامود الفقري العسكري ل14 اذار ويعول عليها في تفجير الوضع في لبنان في مواجهة حزب الله. لذا تشكل الرسالة خدمة كبيرة لهذا الحليف، سيحتفي بها سمير جعجع والته الاعلامية، لانه بحاجة الى استعادة شعبيته التي بدات تتخلخل وتطرح التساؤلات عن وضع المسيحيين في ظل التطورات السورية على الارض اللبنانية، خاصة وان هذه الخلخلة تتزامن مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي البرلماني. كذلك سيحتفي الغرب بالتطمين اللفظي، في تواطؤ خبيث لا يلقي بالا الى الفعل والحقيقة، طالما ان الزيت يصب بغزارة على النار الاخرى المطلوبة في المرحلة الحالية من الستراتيجية الصهيو – غربية، اي نار الصراع السني الشيعي. نار تصبح اكثر الحاحا من اي وقت مضى مع الاتجاه لتفجير الوضع في العراق عبر استغلال مطالب الناس واحتقانهم وكبتهم وغضبهم، لاطلاق حرب اهلية مذهبية تقضي على ما تبقى من هذا البلد العظيم الجريح، وتقضي معه على سوريا، ثم سوريا الكبرى كلها. لتبقى اسرائيل الكبرى بخير ويبقى اهلها “يصفقون بايديهم ويطبون بارجلهم” كما تقول التوراة عن ردة فعل اليهود على تدمير كل مدينة كنعانية.