الوضع في مصر مقلق للولايات المتحدة، ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب دعت معهد بروكنغز الى المشاركة في جلسة استماع حول مصر قبل زيارة كيري لها، والنتيجة نصيحة بالتدخل في مسار الأحداث هناك طالما – والتعبير للتقرير الامريكي – أن واشنطن لا تزال تملك نفوذا يسمح لها بالتحكم بالبوصلة المصرية. تعبير “لا تزال” يعكس سلطة ولكنه يعكس في الوقت ذاته توقعا بانحسار هذه السلطة، وتداركا لذلك قبل حلول المحذور. هذا الانحسار قد يبدو محكوما بمعادلة هي هي بالنسبة لكل أزمات الشرق الأوسط، فواشنطن قلقة بشأن مصر، لكنها قلقة أكثر بشأن الوضع في سورية، في ايران، في تركيا، في العراق وفي افغانستان. وسياستها بشأن هذه البؤر المقلقة واحدة، كما وصفها أحد المحللين الأمريكيين: وضع القضايا الساخنة على نار هادئة. لماذا؟ لأن الرئيس الأمريكي وإدارته الجديدة يريدان اعطاء الأولوية للبرنامج الداخلي، وعلى رأسه الإصلاح الصحي الذي يريد الرئيس أن يسجله التاريخ باسمه الذي اختاره: “أوباما كير” إضافة الى القضايا الأخرى المعروفة والتي تعتمد عليها شعبيته. من هنا فإن توسع أية أزمة في الشرق الأوسط سينتقص من رصيده ويشغل الكونغرس. تركيا مقلقة لأن احباطها، برأي خبراء بروكينغز سيدفع بها نحو حلف شنغهاي، وهذا ما بدا جديا منذ زيارة بوتين الى أنقرة. والصراع بين تركيا وايران على النفوذ في المنطقة مقلق، خاصة وأن خبراء واشنطن انستيتيوت يرون أن ايران لن تهادن امريكا لأن شعبية الحكم ومشروعيته قائمتان على العداء للولايات المتحدة. أما فلسطين فلم تعد مقلقة ولذلك يبدو أن الادارة الجديدة لا تحمل ولا تنوي أية مبادرة بشأنها، اللهم إلا إذا حصلت معجزة وتفجرت انتفاضة جديدة. وتبقى العقدة السورية، العقدة الكبرى في تقرير مصير الشرق الاوسط بل والعالم. واشنطن قلقة من سيطرة التكفيريين والارهابيين لكنها لا تستطيع التخلي عن المعارضة السورية، مما يعني تخليها عن حلفائها الخليجيين وعن تركيا، وهؤلاء الحلفاء لا يريدون حلاً سورياً تشارك فيه طهران وينتهي ببقاء الرئيس الاسد، لأنهم وببساطة تورطوا في اللاعودة. غير أن كيري يعرف أن رؤيته لتطبيق حل امريكي في سورية تصطدم بالموقف الروسي الداعم للرئيس الاسد. واشنطن غير راغبة في إغضاب روسيا لعدة اسباب ليس اقلها اثنين: الملف النووي الايراني وتأمين انسحاب القوات الامريكية من افغانستان. ففي الاول لا يمكن ضبط تقدم ايران نحو السلاح النووي بدون موسكو وفي الثاني تتحكم روسيا بأحد الممرات الرئيسية التي ستسلكها القوات الامريكية، وهي ما يعرف بخطوط الامداد الشمالية، والتي تتعرج وجهتها من كابول مرورا بنفق سالانغ وانتهاء باراضي الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى. وهي خطوط لا بد من التعويل عليها لإخلاء المعدات العسكرية الامريكية الثقيلة من افغانستان. تعويل قد يصبح مرفوضا إذا تجاوزت الادارة الامريكية المساعدات الانسانية للمعارضة السورية الى تزويد المقاتلين بالسلاح، خاصة الثقيل منه. ولتفادي ذلك قررت واشنطن اعتماد القوة الناعمة، بدعم سخي للمعارضة المعتدلة تستعمله في المساعدات الانسانية وتوفير الخدمات الحكومية الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها بحيث تكسب المواطنين ضد النظام وضد المجموعات الارهابية في آن واحد. هنا اختلفت رؤيتها مع الحلفاء، فلا يكفي بالنسبة لهؤلاء أن ندعم المعتدلين، أولا لأن ذلك قد يؤدي الى حل سياسي لا يقضي كليا على النظام القائم، وثانيا لأن الكثير من هذه المجموعات المسلحة هو صنيعتها، وبالتالي فإن ارتدادات القضاء عليه او حتى إضعافه ستنعكس ليس فقط على سورية بل وعلى لبنان والعراق ومن ثم سائر دول المنطقة. ومن هنا يمكن فهم التصعيد الذي شهدناه هذا الاسبوع باتجاه لبنان والعراق. ويمكن فهم التمرد اللبناني الرسمي على أوامر السفيرة كونيللي. واذا كان ذلك يعني أننا نقف اليوم أمام خيارين: إما الاتجاه نحو حل سياسي يعتبر منعطفا للمنطقة كلها، وإما الاتجاه نحو امتداد النار بحيث لا تترك أحدا، فإن الولايات المتحدة ليست هي الشيطان الأكبر هذه المرة.
د.حياة الحويك عطية
إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.