التوق ! كلمة تختصر كل تطلعات الجزائريين على اختلاف مواقفهم بل وحتى تناقضها. خاصة عنصر الشباب. ففي هذه الدولة العريقة في التاريخ الفتية في الاستقلال، لا يشعر الناس بان عمر دولتهم خمسون سنة فقط، لم تعش خلالها الا تبعات واحد من ابشع انواع الاستعمار في التاريخ : تبعات تمثلت في حروب الجيران والحروب الاهلية والازمات الاقتصادية، كما تمثلت في حكم شمولي غامض بين اشتراكيته وانفتاحه على العالم الليبرالي، خاصة الولايات المتحدة، وحالات واسعة من الفساد.
انت الاتي من الخارج تلاحظ الانجازات الكبيرة التي تعجب بالقدرة على تحقيقها رغم كل ذلك، ولكن يبدو ان هذا الشعب الذي تمكن الانتصار على الفرنسيين في عز قوتهم، لا يقف طوحه عند هذا الحد. خاصة وهو يعرف القوة الاقتصادية الكبيرة التي تشكلها بلاده.
البرلمان الجديد يعد بالاصلاح، وذاك مطلب الجميع الذين يتوزعون بين غالبية تريد الوصول الى الاصلاحات دون ان تنسى ذكريات الحرب الاهلية التي دمرت البلاد طوال عشر سنوات، وتعرف حجم الاستهداف الذي تتعرض له البلاد في الوقت الحالي، لذلك فهي تريد عبورا يحقق دعوة الرئيس للجزائريين الى تحمل مسؤولياتهم كي لا تذهب سدى تضحيات الجزائريين الرجال والنساء الذين ناضلوا لاجل استقلال بلادهم ووحدة اراضيها، وكي يجد الذين ينذرون انفسهم للدفاع عن سيادتها وتطورها اعترافا يليق بهم. على حد قوله.
كان ذلك جرس انذار واصداء ما يسمى بالربيع العربي تجد اذانا مختلفة لدى الناس : فمنهم من يفهم الاجندة التي تحاول الالتفاف على توق الناس الحقيقي، والتي انكشفت اوراقها السوداء في سوريا، ومنهم من ياخذه خطاب الاعلام العربي والاجنبي الى عالم افتراضي. واذا كان كل من الطرفين يرفض العنف كطريق، فانك لا بد وان تتذكر بان ما من حراك عربي بدا وفي نية الوطنيين ممن قاموا به التحول الى العنف. لكن المؤامرة كانت تترصد بهؤلاء كما ببلادهم، وكانت شياطين الليل تختفي في الظلمة لتحيك مخططات التدمير التي لا علاقة لها بالتغيير، الا بكونها احدى وسائل منعه.
اهي مخاطر الفتنة؟
الصحافة الجزائرية لا تخفي ذلك، ولكن لتحذر منها، والاحتكاك بالناس يقول لك ان بامكان البلد تلافيها اذا ما التقى امران : وعي الناس للاجندة الخارجية التي لا تهدف الى تطلعاتهم بل تستهدفها، ووعي السلطة الى ان السير في طريق الاصلاح الحقيقي هو طوق النجاة للبلاد وللعالم العربي كله. خاصة وان الظروف الخارجية تعطي للفريق الاول درسا وللفريق الثاني فرصة لا بد من استغلالها. درس قادم من التجارب العربية الاخرى، وفرصة تعود الى الانقلاب الذي حصل في المعادلات الدولية وادى الى نهاية عالم القطب الواحد وهيمنة مصالحه بشراسة.
فرصة لا بد فيها من ترسيخ مفهوم المواطنة، ليس في الخطاب فحسب، وانما في الجانب الحقوقي الاصلاحي، لا بد فيها من مكافحة الفساد الذي يشكل المشكلة الاساسية في البلاد، لا بد من معالجة موضوع الحريات السياسية، ولا بد من اصلاح الاعلام الذي يفاجئك ضعفه، مقارنة بما تجده – مثلا- لدى الشباب من طاقات في كليات العلوم السياسية والاعلام التي تزورها. ( وهنا تحضرني ملاحظة فرعية لكنها دالة : لم تكن الجزيرة لتشكل حلما لكل اعلامي ومصدرا للمتلقي لو كان هناك اعلام وطني اخر في مواجهتها. نقص قد يكون لدى الدول الفقيرة عذرا له لكنه لا يعذر في دول تمتلك كل الامكانات الا الحرية )
تلافي الفتنة والسير على طريق الاصلاح في هذا البلد المتعدد الثروات، الممتلك لكل عناصر السيادة: الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ، على ارض ثورة شعب رائع في قوته وثقته بنفسه، سيحفظ للجزائر موقعها الحضاري كدولة كبرى، نموذج. ليس فقط للعالم العربي، بل ولافريقيا. وذلك ما يدركه الذين يراهنون والذين يتامرون عليها، في الوقت ذاته.