يوميات الجزائر (1)

صحيفة العرب اليوم، 24-05-2012

ما ان تضع قدمك غلى الطائرة حتى يلاقيك، على كل المقاعد، يذكرك بانك اصبحت على ارض الجزائر، ويعاتبك على انك لم تكتب عنه في وفاته.

صخيح ان الكاتب ليس وكالة انباء، ولا شاعر ندب، لكن ثمة شخصيات لا يجوز  تفويت اية فرصة لاحياء ما تمثله، وفاءا واشغالا لضوء في هذا الظلام الزاحف. شخصيات ندرة من الذين يمكن ان يقال عنهم كما قال احدهم عن احمد بن بيلا : ” لم يكتب التاريخ بل جسّد التاريخ “.

مغربي جزائري، علت مغاربيته على قطريته، وعلت عروبته القومية على عروبة عرقية عنصرية، وتحددت هويته بهوية النضال الثوري لبلاده وامته، مثله مثل عشرات الاردنيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم ممن التحقوا بالثورة الفلسطينية يوم كانت حامل القضية  الوطنية والقومية. ومثل  تشي الارجنتيني، الذي قاده قدره وخياره الثوري الى قدر الشعب الكوبي.  نموذج لقائد جسّد الكرامة : فحين قرر زيارة كنيدي جعل كوبا المحطة التالية وحين نصحه هذا الاخير بان ينتقل الى كوبا بطائرة اميركية لان المنشقين الكوبيين قد يطلقون النار على الطائرة الكوبية التي يستقلها، فرد عليه : انا رجل من الفلاجا ولم اخف يوما من تهديدات الحركي سواء كانوا جزائريين او كوبيين. ثائر يؤمن بالاخوة الثورية ويدين وبشدة  ” عولمة مفسدة  تعمم لنشر والموت والفقر ” بحسب تعبيره.

لم تكن الجزائر الرسمية دائما وفية لهذا القائد الكبير، ولكن ما من شك في انها تحتاجه، رمزا ومعان، الآن وهي تستجمع كل عناصر التلاحم الوطني، وكل ما هو جميل وغال وانساني في تاريخها لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها في حاضرها. حاجة لا تقتصر على الجزائر وانما يتعطش لها كل الواقع العربي المتردي، كما لم يكن يوما. واذ نقول كما لم يكن يوما، فليس لان الكيان العربي لم يعرف المؤامرات كما يحصل اليوم، بل لان كل المراحل السابقة كانت تسمي الامور باسمائها، والمعسكرات باصطفافاتها، ولم تكن يوما لتجد امارة تيوقراطية تقود جيش التغيير والحرية، او عملاء للاميركيين يتصدرون خطاب الاصلاح والتغيير ويقصون المناضلين الحقيقيين الذين ضحوا لاجل ذلك فعلا، وما يزالون يحملون مشروعا وطنيا اصلاحيا وطنيا وقوميا.

لم تكن مضطرا في اي من المراحل السابقة ان تناضل لتقول ان العمالة لاسرائيل خيانة، وان العمالة للغرب  خيانة !!  وان استقدام الاحتلال الى بلادك خيانة.

كان في العالم العربي ناصر وفي الاخر تشي غيفارا. يهب كلاهما لنجدة الجزائر الوليدة عندما تتعرض لتهديد من المغرب عام 1963 فيكتب  بن بيلا :

” تندوفف 1963، جيش فتي خارج لتوه من حرب التحرير التي كانت مجرد حرب كوماندوس، لا يملك لا غطاءا جويا ولا سلاحا مدرعا. الرئيس ناصر ارسل لنا الغطاء الجوي وفيدل وراؤول كاسترو وشي غيفارا انجدونا باثنين وعشرين مدرعة وعدد من الجنود اتجهوا الى بدوا جنوبي سيدي اوبو العباس وكانوا مستعدين لدخول الحرب اذا ما اندلعت. كانت هذه المدرعات تملك اجهزة ما تحت البنفسجية اعطاها الروس لكوبا شرط الا تعطيها لاي طرف اخر بما فيها دول المعسكر الاشتراكي. لكن الكوبيين تجاوزوا ذلك. لان  يد الولايات المتحدة كانت  واضحة في الجانب المغربي ”  وتمكن توازن الرعب من منع الحرب وجاء تشي لزيارة الجزائر : ليكتب بن بيلا من جديد : ”  ذكراه لم تفارقنا ابدا انا وزوجتي وفي كل بيوتنا، في سجننا ومنفانا كانت هناك دائما صورة كبيرة له معلقة على الجدار، كانت نظرته شاهدا على احزاننا وافراحنا. لكن صورة اخرى اقتطعناها من مجلة والصقنا عليها الورق الجيلاتين كي نحفظها، ظلت مخباة في منزل والدي في مغنية. انها صورة تشي ممددا، عاري الصدر، والنور يشع من كل جسده، كثير من النور وكثير من الامل ”

” لقد اساء لنا هذا الغرب كثيرا – يقول بن بيلا-  ولكن اليس الغرب هو من افرز ابشع الجرائم ضد الانسانية؟ الفاشية، النازية، الستالينية، محاكم التفتيش التي دامت اكثر من 400 سنة؟ بصراحة لا بد من الكثير الكثير من التسامح لكي يتمكن المرء من القول : انا لا اكره الغرب!!”. اين منه مناضلو الثورات العربية الذين يتمسحون على ركاب الغرب وجل حلمهم  لمحة رضى من برنار كوشنير الذي قال يوما بوقاحة انه  يكره الذين صنعوا ايار ( في اشارة الى اندلاع ثورة الجزائر ).

تعرض مرتين لمحاولات اغتيال، مرة في طرابلس ومرة في القاهرة بحزام ناسف

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون