يحصون القتلى..

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 20-09-2012

“هذا رهيب، لدي مبعوث هناك يحصي القتلى ” هذا ما كتبه السفير الأمريكي في تل أبيب لمناحيم بيغن بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، وما كشفت عنه خمس وثائق، بالعبرية والانجليزية، هي عبارة عن محاضر اجتماعات بين السفير الأمريكي في تل أبيب والمسؤولين الإسرائيليين تعود الى 15، 16،17،18 و20 1982. يكشف عنها اليوم باحث أمريكي يدعى شيتز انيسكا، ويكتب عنها في نيويورك تايمز تحت عنوان ” مجزرة كان من الممكن تفاديها”.

الوثائق تتعلق بمذبحة صبرا وشاتيلا، لكن الواضح فيها أن النقاش كان يدور بين السفير الامريكي ومسؤولي اجتياح لبنان، عن تفصيل في الاجتياح نفسه، هو احتلال العاصمة بيروت، حيث يطالب السفير بالانسحاب منها ” كي لا تعطي اسرائيل الانطباع للعالم بانها تحتل عاصمة عربية” وذاك مضمون الاتفاق بين الطرفين قبل الاجتياح.. وعندها يحتج شارون بحدة على ان هناك الفي ارهابي دولي ما يزالون في المخيمات، في صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة والفاكهاني، ولا بد من القضاء عليهم قبل الخروج. ويتوجه الى السفير الامريكي قائلا : ” سيد درابر بات الشك يحوم حول عدم تأييدك لنا، عليك ان تنفي ذلك، ونحن بدورنا سننفيه”

اذا هو التهديد المباشر والحاد، وعليه يتراجع السفير، بل انه يدخل في مؤامرة ضمنية هي منح إسرائيل 24 ساعة لتنفذ انسحابها، بمعنى إعطاءها الوقت اللازم لتنفيذ مجازرها، بيد إسرائيلية أو بيد حلفائها لا فرق. حيث يورد المقال الحوار التالي :

– السفير درابر : على إسرائيل ان تقوم بانسحاب ولو رمزي، عليها ألا تعطي الانطباع بانها تحتل عاصمة عربية.

الاسرائيليون ينسحبون للتشاور ثم يعودون : نوافق على الانسحاب ولكن بعد 48 ساعة

درابر: يقول بعض المعادين بان الجيش الاسرائيلي باق في بيروت للسماح لبعض اللبنانيين بقتل الاخرين والفلسطينيين.

شارون : اذا علينا ان نقتلهم، لن نترك منهم أحدا هؤلاء الارهابيين.ولن تقوموا انتم بانقاذ هذه المجموعات الإرهابية.

درابر: نحن غير مهتمين بانقاذ احد منهم.

شارون: اذا ان لم تريدوا ان يقتلهم اللبنانيون فسنقتلهم نحن.

هنا يسحب السفير اصراره على موقف دولته : نحن نريدكم ان تذهبوا ودعوا اللبنانيين يقومون بالمهمة.

هكذا يتم الاتفاق على مهلة الـ 48 ساعة بحجة عيد رأس السنة العبرية، ويعلق الباحث الامريكي على هذا فيكتب : ” كانه يقول لهم : اقتلوهم ومن ثم اخرجوا”. وتعلق صحيفة لوموند الفرنسية قائلة : بينما كان يدور هذا الحوار كانت القوات اللبنانية – الكتائب، تعمل القتل في المخيمات في مجزرة ذهب ضحيتها الفي مدني، فيما يغطي الطيران الاسرائيلي المجزرة ويضيء لهم الجو. وذاك بعد ان كان المبعوث الامريكي قد اشرف على انسحاب مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، واعطى المنظمة ضمانات بحماية المخيمات، بعد وقف اطلاق النار.

ضمانات كل ترجمتها على الارض ان يتكفل درابر باحصاء الضحايا، حيث يكتب الى شارون بعد يومين: “انه لامر رهيب ! لدي مبعوث يعد الضحايا”، في حين اتصل ريغن بمناحيم بيغن غاضبا، واطلق شولتز عبارات قاسية في ردة فعل طبيعية عندما يكون الاتفاق كاملا حول الغاية من الحرب، فيما يقتصر الخلاف على الاخراج، الصورة. بل والاتفاق على الجريمة بدليل رد السفير : نحن غير مهتمين بانقاذ اي واحد منهم..

من هنا فان الاهتمام بالصورة يعزز افضلية ان يقوم بذلك لبنانيون ( وليس اللبنانيون – كما تكتب الصحف الغربية ) ومسيحيون ( وليس المسيحيين كما تصر على التوصيف ) وللتعريف هنا معنى خطير يمتد من صراع سياسي، الى صراع ديني، ومن صراع بين خطين يقتسمان المنطقة في لبنان وفي غيره، الى صراع قطري. وكلاهما يفقد المسألة الفلسطينية معناها الكبير بحد ذاتها وضمن قضية الأمة الكبرى.

ويظل ثمة سؤال : هل ان الكشف عن هذه الوثائق يهدف الى تعرية وجه اليمين الاسرائيلي ومعه الجمهوريين الأمريكيين في اطار الحملة الانتخابية الأمريكية والصراع بين اليمين واليسار حول طريقة التعامل مع ملفات المنطقة، خاصة التدخل العسكري الاسرائيلي في إيران بالدرجة الاولى وسورية بالدرجة الثانية وربما لبنان؟

على اية حال، لعل في ذلك فائدة بتذكير بعض الفلسطينيين بان سمير جعجع ليس حليفهم التاريخي، وان الاصطفاف معه في خط واحد هو خيانة لذاكرة الشهداء.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون