هل ستعيدنا الثورات العربية رغما عنها إلى حكم العسكر؟
في سورية ثمة من يراهنون منذ بدء الأزمة على أن الجيش هو من سيحسم الوضع في النهاية بانقلاب عسكري، أبيض أو أحمر، لا فرق. وفي مصر عادت القوات المسلحة التي لم تكد تخرج من المشهد السياسي إلى التدخل فيه عبر بيانها الصادر أمس الأول.
معادلة قد تذكرنا بأمريكا اللاتينية وإجهاض العديد من ثوراتها على يد حكم عسكري موال للأمريكيين، احتاج الشعب إلى سنوات طوال من النضال كي يتمكن من التخلص منه والوصول إلى شكل ما من أشكال الديمقراطية.
وإذا كان التحليل يقودنا إلى أنه من المستحيل أن تسمح القوى الغربية للجيش السوري بالسيطرة على البلاد طالما أنه لم يغير عقيدته العسكرية المعادية لإسرائيل، ولم يغير اتجاه التزود بالأسلحة والعتاد والتدريب باتجاه الارتباط الكامل بالعالم الغربي وتحديدا بالولايات المتحدة، فإن الجيش المصري يحقق هذه الشروط مئة في المئة. وقد تحدث هيكل عن ذلك في حواره مع قناة ” سي بي سي ” على لسان المشير طنطاوي نفسه. من دون أن ننسى أن اندلاع الثورة صادف وجود وفد عسكري عالي المستوى يضم مئات الضباط في واشنطن، وقد عادوا صبيحة بدء الاعتصام في ميدان التحرير.
وإذا كان محمد مرسي قد توصل إلى إقالة طنطاوي وإبعاد الجيش عن الثورة، فإن الاصطفاف الحاد الدموي الذي عاد إلى الساحات بعد الإعلان الدستوري، عاد ليستدعي، أو ليشكل فرصة لعودة العسكر إلى الساحة، وأول الغيث البيان الذي أصدرته القوات المسلحة أمس الأول. وإن تكن آراء القوى السياسية والثورية المختلفة قد تباينت بشأنه، وذلك في ما يتعلق بأسبابه وملابسات خروجه في ظل توقيت الأزمة الناشبة حاليا في البلاد، بحيث رأى سياسيون وممثلو قوى مختلفة أنه يحمل في طياته استشعاراً بالخطر وتحذيرا للرئاسة أكثر مما هو تخويف لقوى المعارضة من مخاطر الفترة المقبلة، في حين رأى آخرون أنه تأكيد لضرورة الخضوع للشرعية والقبول بدعوة الرئيس محمد مرسي للحوار، معتبرين إياه أيضا أنه يمثل اتهاماً للقوى الخارجة على الشرعية، وأنها تسعى إلى تشتيت البلاد. فإن كلا الموقفين يعتبر قبولا بتدخل القوات المسلحة في المشهد السياسي، بل وسعيا من كل منهما لتجيير هذا التدخل لحسابه. خاصة أن الجميع يعتبر أن الجيش ساعد على الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك.
عودة الجيش قد تكون البديل الحاسم في حال تصاعدت الأمور في الساحات السياسية بتمسك الرئيس بموقفه وتمسك المعارضة باحتجاجها، ولن يغير في الأمر شيئا الحوار مع شخصيات لا تكاد تمثل إلا نفسها أو حزمة صغيرة من محازبيها، طالما أن الهوة تتوسع أكثر فأكثر بين تجمعي الأحزاب الرئيسية في البلاد، الائتلاف الإسلامي من جهة ( الإخوان والسلفيين ومن معهما ) والأحزاب المعارضة برموزها الكبيرة وشعبيتها الواسعة التي حصدت في الانتخابات أكثر من ثلثي عدد الأصوات،(إذا ما احتسبنا الأصوات التي منحتها هذه الأحزاب لمرسي في الجولتين الأولى والثانية). وطالما أن كلا من الجانبين على ضفتي الهوة يبدو غير قادر على حسم الخلاف لصالحه.
في سورية قد تسير الأمور بشكل مختلف يؤدي إلى النتيجة نفسها، وإن بدا الأمر أصعب. أصعب لأن ثمة رهانين على دور الجيش: الأول هو رهان على أن يتمكن الجيش بتركيبته واتجاهه الحالي من حسم الأمور لصالح الخط المتمسك بعقيدة الجيش الحالية وارتباطاته الحالية المتعددة الاتجاهات تسلحا وإمدادا وتدريبا، والثاني هو رهان على أن تتمكن الدوائر التي تدعم المعارضة من إحداث انشقاقات معتبرة في صفوف ضباط القوات المسلحة وأن يتمكن هؤلاء من تشكيل قوة عسكرية تحسم الموقف بالاستجابة إلى متطلبات تغيير عقيدة الجيش وتعزيز ارتباطه بالغرب، وبالتالي تبعيته لسياساته.
حتى الآن يبدو الخيار الأول هو الأقرب إلى الواقع، لأن حركة الانشقاقات لم تسجل بعد نجاحا يذكر، اللهم إلا إذا حصل انقلاب ما.
ولا ننسى أن لبنان ليس ببعيد عن هذه المسيرة، فلا سلطة في البلد الصغير قادرة على الحفاظ على أمنه إلا الجيش، وهو يتعرض إلى الضغوط ذاتها بالنسبة إلى تغيير عقيدته واتجاه سلاحه.
فهل نحن باتجاه العودة إلى العسكر وبرضانا هذه المرة؟