بدات مقال الامس بهذا السؤال الذي تحدى به بوتين منافسيه في المعركة الانتخابية : هل تحبون روسيا؟ وانتقل اليوم الى قلب هذا السؤال بمناسبة زيارة الرئيس الروسي : هل نحب نحن العرب بلادنا؟
الحب في المصطلح السياسي لا يعني شيئا الا المصالح والسيادة، وكل ما يتفرع عن ذلك من مصطلحات كثيرة ان هي الا تفاصيل ونتائج وشروط. فالكرامة مثلا نتيجة من نتائج السيادة، والعدالة الاجتماعية نتيجة من نتائج المصالح، والحرية لا تتحقق الا بتحققهما، والتضحية لا تصح الا لاجلهما، والحكم الرشيد لا يقوم الا بهما وبالتالي فان العلاقات الدولية لا تستند الا اليهما.
ليس عيبا ان تبحث روسياعن مصالحها في المنطقة العربية، بل ان هذا فخر لقائد روسي، وفي الوقت ذاته فرصة لنا نحن في الدول العربية للخروج من نير الاحتلال الاميركي الغربي، سواء كان احتلالا مباشرا ام غير مباشر عبر مصادرة السيادة والقرار. فرصتنا لا تعني ان نخرج من هيمنة اميركية الى هيمنة روسية بل ان نستفيد من عودة التعددية القطبية لنلعب لعبة مصالحنا بين كل الاقطاب. واذا كان بعض الحكام لا يجدون مصلحة الا في التعلق بذيل التنورة الاميركية فذاك شانهم ومصلحتهم هم كطبقة معينة. غير ان مصلحة البلاد هي في اللعب على التناقضات والافادة من حاجة جميع القوى الدولية الى منطقتنا، افادة تحقق مصالح البلاد والعباد.
منذ سنوات والغرب يستعمل العرب – خاصة نفطهم – عصاة يضرب بها اعداءه ومنافسيه، ومنذ التسعينات اصبحت هذه العصاة حصريا بيد المحتل الاميركي. في عام 1990 كتب كولن باول، يبرر معارضته للحل العسكري مع العراق : ” لا شك اننا نحتاج الى منطقة الشرق الاوسط في مواجهتنا المقبلة مع اسيا واوروبا، ولكنه من الافضل تحقيق هذه الهيمنة بالطرق السلمية السياسية، لان الحل العسكري مع العراق سيؤدي الى نمو التيارات الاسلامية وخاصة ايات الله “. غير ان معارضة كولن باول لم تنجح وانصاع الرجل العسكري ثم الديبلوماسي الى خيار المحافظين الجدد. لماذا؟ لان الانتلجنسيا الاميركية واللوبي اليهودي كانا يوافقانه على الشق الاول من مقولته ( الحاجة) لكنهما يعتبران ان الحاجة للمنطقة لا يمكن ان تتحقق الا بعد تدمير القوة العربية الرئيسية، فلا يمكن التحكم في منطقة ما واستعمالها في سياق يخالف مصالحها ويصادر سيادتها وقرارها، الا اذا كانت منطقة مفككة وضعيفة ( بدون جيوش قوية ) ومقيدة بمعاهدات امنية سياسية، وفاقدة للاستقلال الاقتصادي. من جهة ثانية كان المحافظون الجدد واللوبي الصهيوني يعرفون ان الفرصة تاريخية وذهبية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي و الكتلة الاشتراكية اذ لم يعد هناك اية قوة دولية تستطيع التصدي لاي قرار اميركي. كما يعرفون ان هذه الفرصة لن تدوم، بمعنى ان الانهيار لن يدوم، والقوى الدولية ستعود ان لم يكن باسم الشيوعية فبغيرها، ولا اهمية لذلك لان المسالة ليست عقدية وانما سياسية قومية جيوستراتيجية، وعليه لا بد من اغتنام الفرصة سريعا.
كونداليزا رايس توقعت في رسالتها للدكتوراه حول روسيا، ان تعود روسيا الى الساحة الدولية، كقوة عظمى خلال خمسين سنة من انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكنها عادت بسرعة اكبر، وعادت معها قوى اخرى صاعدة، لنقترب نحن في العالم الثالث والعالم العربي كثيرا من تلك المرحلة التي كان فيها لعبد الناصر ان يلعب على التوازن الدولي ويقيم التحالفات مع من يعينه على تحقيق مصالح مصر اولا والعرب ثانيا، فيؤمم القناة ويبني السد العالي ويبني الجيش المصري الذي استطاع ان ينهض من هزيمة 67 ويحقق نصر 73.
لكن المشكلة، ان روسيا بطرس الاكبر وكاترين الثانية وخروتشوف، مرت بيلتسين وعادت لتجد بوتين، فيما ما نزال نحن نبحث عن ناصر او عن صلاح الدين، وننسى ان السؤال المركزي الذي يجب ان نوجهه لانفسنا ليس ابدا : هل تحبون روسيا؟ فذاك شان الرئيس الروسي الذي عرف كيف يحب بلاده فكسب زعامتها. بل، هل تحبون الوطن العربي؟ فلا تحبوا محتليه وغاصبيه وتدركون ان مصالحه في التحالفات التي تحققها لا في عشق ماكدونالدز