لا تكتمل الرسالة بدون المتلقي، ايا يكن نوعها او نوع الجنس العلمي او الادبي الذي تنتمي اليه. ولعل افضل ما منحتنا اياه التكنولوجيا الحديثة – ككتاب – هو هذه الفسحة من التواصل الالكتروني التي تسمح لنا بمعاينة كيفية تلقي القارىء لما نكتب. والقارىء، ايا تكن الشريحة التي ينتمي اليها، هو بارومتر الكاتب، وبارومتر تشكل الراي العالم، الهدف الاساسي لاية عملية اعلامية.
وعندما يكون تصني ما نكتب مهنيا هو مقال راي، فمن الطبيعي ان نجد من يخالفنا ومن يتفق معنا، من يثني علينا ومن يعترض. وهذا طبيعي، بل وضروري كاحدى اليات تشكل الثقافة الديمقراطية، على الساحة العامة. وذاك اهم بكثير من الاجراءات الديمقراطية التي تتخذ بشحطة قلم مسؤول فرد او مجلس مسؤول او حتى كتلة ضاغطة. لان تشكل ما يسمى الفضاء العام، الذي يؤدي علميا الى تشكل الراي العام، مرهون باطلاق النقاش العام، الجدل العام بحرية فكرية تامة. من هنا يفترض ان يكون الحوار بين الكاتب والقارىء وبين القراء انفسهم هو هذا المدخل الضروري. مدخل نستفيد منه نحن الكتاب، نتعلم من الكثيرين، ونراجع انفسنا بناءا على ما يورده الكثيرون، ونتشجع في مواقف تحتاج فعلا الى الشجاعة في هذا الزمن الرديء، بناءا على تاييد الكثيرين.
لايماني بكل هذا تاخرت عن زملائي في وقف التعليقات على مقالي اليومي، بل انني كنت ضد ذلك. لكن حقيقة الامر انني تبينت، وبالدليل المنطقي والحسي ان بعض القراء المواظبين على التعليق، لا يقرؤون ما نكتب، بل يتخذون موقفا مسبقا من الكاتب شخصيا لانه فلان او فلان، او لانه محسوب على هذا الخط او ذاك. وبالتالي ياتي التعليق في عالم والمقال في عالم اخر، بل انه يبدو واضحا في بعض الاحيان ان التعليقات معدة مسبقا لاهداف ما ووفق توجيهات او توجهات ما. فقد اكتب عن القمر فيرد علي احدهم عن ازمة السير. ولاكن اكثر تحديدا، فانا شخصيا حريصة جدا على التنويع في ما اتناوله، اولا لانني لا احب ان يكون الكاتب مهووسا بموضوع ما لا يرى العالم الا من زاويته، فالعالم واسع ومتشابك، ولا يمكن ان نفهم سياقنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي الا بفهم هذه التشابكات. وثانيا لانني اعتبر انه اذا كان الحظ قد منح فلان من الكتاب فرصة الاطلالة على معلومات وثقافات واعلام وعلم، خاصة مع قدرة على الاطلالة بلغات اجنبية، فان من واجبه ان ينقل هذه المعارف لقارئه – بقدر ما يستطيع. غير انني اجد البعض لا يرد علي الا في الموضوع السوري، وبشكل يدل بوضوح انه لم يقرا ما كتبت. ولا يهمه ان يقرا او حتى ان يناقش. بل كل ما عليه ان يكرر شتائم باتت اسطوانة مشروخة حتى لمن يقف في صف معارضة النظام في دمشق، وقفة لها اسبابها المنطقية والعقلانية. وانا لم اقل يوما انني ضد المعارضة لكنني اعرف كيف اصنفها واميز بين مكوناتها بناءا على حجج منطقية وموقف مبدئي، لا ارفض النقاش فيه.
غير ان الطامة الكبرى – واقولها بصراحة – انني اكتشفت ان البعض، والحمد لله ليسوا كثر، يتخذون من مساحة الرد المتاحة مجالا لتقديم كشف حساب لاطراف محددة، تدفع لهم عينيا او نقدا ثمن ما يكتبون من شتائم. وبمعنى اخر يتخذون من مساحات الصحيفة الالكترونية، ومن مقالاتنا، مساحة مجانية لتوزيع بيانات، وتامين وظيفة في جوقة مدعومة على حسابنا، ونشر ما لا يمكن ان تنشره مطبوعة مهنية في صفحاتها العادية. وبذلك ينتفي اي منطق للحوار وللجدل العام والنقاش العام الذي نحرص عليه ونفرح بتوفره ونؤمن بانه وسيلة لتشكل راي عام واع وحقيقي وديالكتيكي، يعمل العقل بدل الغرائز، ويبني على الانتماء العقلاني النقدي لا على الانتماء المذهبي او الطائفي او الاقليمي او الاحقاد او تصفية الحسابات.
لذلك وجدت ان الحل هو في وقف التعليقات وتثبيت البريد الالكتروني، ولمن شاء ان يناقشني فاهلا وسهلا وساتعهد بالرد عليه بكل احترام وموضوعية، واشكر كثيرا القراء الذين تعلمت منهم الكثير كل صباح، وجعلوني افكر في اشياء كتبتها بمراجعة ناقدة، والذين شجعوني في مواقف اؤمن بانها مبدئية ووطنية ومنطقية.