“المنظمة العالمية لليهود من أصول عربية” و”العدالة ليهود الدول العربية”.
هذان العنوانان سيكون علينا أن نتذكرهما كثيراً، وستنهال علينا وسائل الإعلام والدوائر السياسية بعشرات التحقيقات والأفلام الوثائقية والمقابلات والتقارير في إطارهما خلال شهر مارس/ آذار المقبل، فيما يشكل إطلاق حملة تبدأ هناك ولا تنتهي أبداً.
فإذا كانت العقدة الأصعب في سياق حل الصراع العربي – “الإسرائيلي” هي مسألة اللاجئين، وحق العودة والتعويض، فإن المنظمات اليهودية في العالم قد اختارت يوم السادس من يونيو/ حزيران الفائت -في رمز يشير إلى غداة النكبة- لتطلق حملة جديدة خطيرة تشكل التفافاً خطيراً في هذا المجال.
أما العنوان الثالث، الاسم الذي علينا أن نتذكره في هذا السياق فهو: “المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا” (الكريف)، هل تذكرون هذا الاسم؟ “إنه المجلس الذي شكل الطرف المقابل في مؤتمر حوار الحضارات والأديان الذي عقد في قطر قبل أسابيع، وجاءت كلمة ممثله في حفل الافتتاح الثانية، كما ترأس الممثل نفسه جلسة الختام”.
“الكريف” دعا إلى مؤتمر يهودي دولي في اليوم المذكور، في العاصمة الفرنسية باريس، المؤتمر كان برعاية ما سموه “المنظمة العالمية لليهود من أصول عربية” وعقد تحت عنوان: “العدالة ليهود الدول العربية” برئاسة ستانلي أورمان رئيس المنظمة المذكورة وحضور نسيم زفيلي سفير “إسرائيل” في باريس والوزيرة المفوضة نادين زوراك وجان بيير الالاي ممثل “الكريف” ومشاركة ممثلين من أمريكا وكندا وبريطانيا و”إسرائيل” وفرنسا وألمانيا.
على الموقع الإلكتروني “للكريف” ورد أن الهدف من هذا المؤتمر هو إطلاق تحرك دولي لأجل اليهود ذوي الأصول العربية، تحرك يتمثل بحسب الموقع المذكور بإطلاق حملة دولية لحقوق من سماهم “اللاجئين المنسيين”، أي اللاجئين اليهود العرب، وتقرر تخصيص شهر مارس/ آذار المقبل 2006 لهذا الموضوع بإعلانه شهر اللاجئين اليهود من الدول العربية. حيث ستكون جميع الجاليات اليهودية في كل أنحاء العالم مدعوة إلى الحديث عن قصة معاناة اللاجئين اليهود الذين طردوا وجردوا من أملاكهم على الأراضي العربية قبل نشوء “إسرائيل” وبعدها. وإلى إبراز الدور الذي قامت به “إسرائيل” في إدماج اليهود العرب المنفيين.
ما هو الهدف النهائي لهذه الحملة؟ موقع “الكريف” يحدده أيضاً ب: نشر رسالة تقول إن تعويض الظلم اللاحق باللاجئين اليهود العرب هو جزء لا يتجزأ من حل مشكلة اللاجئين في الشرق الأوسط ويشكل شرطاً مسبقاً لحل مشكلة الصراع العربي – “الإسرائيلي”.
ثلاثة محاور: محور تركيز الرواية، ومحورا الهدف منها، وسيكون علينا أن نتوقع هجمة إعلامية شرسة حولها بعد ستة أشهر، هجمة لا بد أن التحضير لها جار الآن على قدم وساق، ولا بد أنها ستعمل على آلية غسل دماغ على صورة ومثال تلك التي مورست بخصوص “الهولوكوست” الأوروبي، خاصة أن الحملة حول هذه الأخيرة قد أكسبت الجهات المعنية طوال ستين سنة خبرة استثنائية في هذا المجال.
وإذا كان المحوران الأولان يبدوان واضحين ومباشرين من الناحية السياسية، فإن ثمة هدفاً آخر سيعمل عليه المحور الأول، ولمدى بعيد جداً يتجاوز الأخيرين، إلا وهو العمل الدؤوب على تركيز إحساس ذنب في ضمير الإنسان العربي إزاء اليهود، تقطف “إسرائيل” ثماره على كل الصعد.
لقد كان العمل على تركيز عقدة الذنب مقابل عقدة الاضطهاد ركيزة أساسية في السياسة الصهيونية منذ نشأتها، وقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحاً كبيراً حوّل المجتمعات الأوروبية إلى مجتمعات مستعبدة لليهود، وداعمة ل”إسرائيل”، بل إنها تخجل من عدم دعم هذه الأخيرة.
وإذا كان هناك من سيقول إن هذا التحليل غير منطقي لأننا نحن لم نفعل شيئاً بحق اليهود كما فعلت أوروبا، فهناك واقعان آخران يردان عليه: الأول يتمثل في السؤال: وماذا فعلت أمريكا بحق اليهود؟ وكيف صيغت فيها بعناية صناعة الهولوكوست، على حد تعبير فنكلشتاين؟ أما الثاني، فها هم اليهود قد وجدوا لنا تهمة ولن يعدموا الوسائل الإعلامية والفنية والسيكولوجية لجعلها تنمو ككرة الثلج، كما فعلوا تماماً بقصة الهولوكوست التي لم يذنبوا بها ألمانيا فحسب وإنما العالم الغربي، بل والعالم كله.
خبرة هذه التجربة الناجحة الممتدة لأكثر من نصف قرن، كما قلنا، وسيطرة اليهود على وسائل الاتصال في الغرب، بل وفي العالم العربي نفسه، ستكون كلها في خدمة الحملة المعلنة.
في هذا السياق، تطل الأسئلة برأسها من هنا وهناك، ومنها واحد متعلق بالفيلم التسجيلي الذي بثته قناة الجزيرة قبل أيام مراراً عن علاقة الحاج أمين الحسيني بالنازيين. فلماذا جاء هذا الفيلم الآن؟
لمادا بعد المؤتمر المذكور؟ ألا يمكن أن تشكل عروضاً كهذه أرضية أولى للحملة التي تتم التهيئة لها في مارس/ آذار المقبل؟
أسئلة لا يقصد بها اتهام المحطة العربية بالتواطؤ، فربما لم يكن أحد فيها قد سمع بمؤتمر باريس المذكور، ولا بالحملة المنوي إطلاقها. وربما يكون تحضير الفيلم عن الحاج أمين قد سبق كل ذلك. لكن ثمة من يدفع الأمور عادة من وراء ستار، وقد تمرر أسوأ الأمور مغلفة بالنيات الحسنة.
من جهة أخرى، إن قصة الحاج أمين ذاتها تصلح لتسهيل الحملة الإعلامية اليهودية كما تصلح أساساً لمواجهتها، بحسب الخطاب الذي تصاغ به.
كم علينا أن نلزم الحيطة والحذر؟ وكم علينا أن نتوقع من ألاعيب ومن ألغام في سياق الحملة التي تهيأ بعناية وخبرة نادرتين!
فما الذي يمكن أن نهيئه نحن بالمقابل؟ وكيف يمكن إيصال صوت آخر إلى العالم، ولا أقول العالم الغربي فقط، إذ إننا سنجد الكثيرين عندنا ممن سيتأثرون بعملية غسل الدماغ هذه، فيما يشكل انطلاقاً لزرع مركب الذنب المذكور لدى العرب، بحيث يتم استغلاله لا في قضية اللاجئين فحسب بل وفي ابتزاز الدول العربية، كما حصل مع الغرب. لتنقلب الآية وتحولنا من ضحايا إلى جلادين، أو على الأقل تجعلنا متساوين في ذلك مع الصهاينة..
ما العمل؟
د.حياة الحويك عطية
إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.