هل يكفي ان تلتقي مجموعة فصائل وشخصيات ضد الاسلاميين لتشكل معارضة ناجعة؟ سؤال يدفعه الى الذهن واقع المعارضة المصرية وما ال اليه الاستفتاء على الدستور الجديد. حيث ان الاستفتاء لم يكشف الاّ عن اقلية ضئيلة من الشعب المصري صوتت لصالح الدستور الاخواني، ورغم ذلك مرّ بفضل من امتنعوا عن التصويت، ما يعني ان من فشل الاسلاميون في استمالتهم لم ينحازوا الى المعارضة وبتعبير اخر فشلت المعارضة في استمالتهم ايضا.
وبمقارنة بسيطة نجد ان الاخوان ومن حالفهم من السلفيين خرجوا الى الناس بمشروع واضح ومعلن – سواء وافقنا عليه ام رفضناه – واتبعوا في التجييش له اساليب معروفة – ما يرقى منها الى الاقناع وما يهبط الى وهم “الدفاع عن شرع الله ” او الدفاع عن قبضة من المؤونة لبطن جائع – وامنوا الوسائل اللازمة من اعلام ومسجد وتمويل خليجي ودعم اميركي وبعض الغربي ودعم امتداداتهم الاسلامية العولمية المنظمة. وبذلك لم يخسروا صوتا واحدا يمكن لهم استقطابه.
بالمقابل نجد المعارضة، المكونة من ائتلاف قومي- ليبرالي – يساري يفترض ان يكون قويا، بعيدة عن صياغة مشروع واضح وكامل تطرحه للناس سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي. وبعيدة عن اعتماد اساليب واضحة ( لها على الاقل) في التوجه الى الجمهور العريض (طالما ان صوت امي جاهل مساو في صندوق الاقتراع لصوت محمد حسنين هيكل او احمد زويل مما يطرح للنقاش المنطقي مسالة الديمقراطية البرلمانية في مجتمعات متخلفة او، تادبا، نامية ) وبعيدة عن اعتماد برنامج واضح لتامين الوسائل اللازمة. وبذلك خسروا ملايين الاصوات التي يمكن لهم استقطابها.
ربما يبدو السبب كامنا في عدد من الاسباب:
اولها ان الانسجام الكامل صعب فيما بين اقطاب ائتلاف، ولكنه سهل فيما داخل طرف واحد ذي مرجعية واحدة. وربما لذلك بدا الاسلاميون حازمين مصرين في قرارهم بينما بدا الاخرون مترددين وربما غير منسجمين.
وثانيها ان العامل الديني،مثله مثل العامل القبلي او الاتني يمتن اللحمة فيما يدفع العامل السياسي العقلاني، المبني على الخيار والنقد، الى الاجتهادات المختلفة وبالتالي التعددية، فكما يقول ريجيس دوبريه : اللاعقلاني يشد اللحمة. فكيف عندما يكون اللاعقلاني ايمان سماوي رافض للاجتهاد ويكون العقلاني موزع على اصعدة ليبرالية قومية ويسارية متعددة ومختلفة في داخل كل منها. ولذا فان الاول يسهل الديكتاتورية فيما يضمن الثاني الديمقراطية.
اما ثالثها فهو ان القوميين واليساريين قد جربوا في الحكم، في حين كان الاسلاميون في صفوف المعارضة المقموعة ( في مصر وكذلك في تونس) وبالتالي فان تردي احوال الناس والبلاد يرمى على كاهل الرئيس الذي دفع مصر الى التدحرج في الهاوية هو الرئيس السادات الحليف للاسلاميين والمرتد عن الناصرية. وكي يفهموا ايضا ان يد المعارضة مغلولة لان سياسات الانفتاح الاقتصادي هي التي رمت مصر على رصيف التسول بعيدا عن افق الامن الاقتصادي، وان الحل يكون بالعودة الى سياسات الانتاج والاستقلال التي نهجها ناصر لا الى راسمالية اسلامية شبيهة.
هنا يجب الا يداري التيار القومي في التذكير بمنجزاته والعمل على احيائها ففيها الكثير الكثير غير عقدة ال67 التي يعمل الاخرون على استغلالها، وعلى التاكيد على ثوابته خاصة في السياسة القومية والخارجية والتطبيع مع العدو، وفي الوقت نفسه الا يداري في عملية نقد ذاتي يعترف فيها باخطائه ويطرح تصوراته وبرنامجه لتصحيحيها. كذلك الامر بالنسبة للتيار اليساري وهنا ستبرز عقدة مع الليبراليين لا بد من مواجهتها ايضا بواقعية وصراحة وصولا الى تحديد الخطوط المشتركة لبرنامج واضح ومعلن قبل الانتخابات المقبلة، برنامج يكلله،دون شك، ولكن لا يكفيه، مبدا رفض اي ديكتاتورية جديدة باسم الاسلام او غيره، والتمسك بمطلب القرار التعددي.