هل من مفاجاة بشان الوضع اللبناني؟
نعم بقدر ما كانت الحرب على العراق مفاجاة.
ولماذا لا نتجاوز قليلا تفاصيل الاخراج المسرحي لنرى الامر بوضوح، انقلابا عسكريا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فقد كانت السلطة مكونة من راسين: لحود والحريري، رغم ما بينهما من خلافات ومنافسات، وما تم في مرحلته الاولى هو التخلص من الاول في عملية اغتيال، وفي مرحلته الثانية التخلص من الثاني في عملية اغتيال من نوع اخر.
تعددت الاسباب والموت واحد، والمحكوم بالاعدام هو الوضع اللبناني السابق الذي قام على توافق يحمي المقاومة اللبنانية ويقوي سوريا، ويتعارض مع الستراتيجية الاميركية الاسرائيلية للمنطقة بعد سقوط جدار برلين.
اما كيف تم اخراج المسرحية، وكيف رتبت فصولها فذاك امر لا يقصر عنه هوليووديو السياسة الاميركية، والدمى التي يحركونها في لبنان.
العودة الى البدايات تستحق كتابا لا مقالا، ولكن العودة الى الاسبوع الماضي فقط تلقي ضوءا كبيرا على ما خلف المسرح، على الكواليس حيث المخرج وممسكو خيوط الدمى. فهناك في المزرعة الرئاسية الاميركية التي تشترك في الاسم مع عارضة الازياء الاميركية الشهيرة سيدني كراوفورد اختلى الرئيس الاميركي بادارته لتقييم الوضع في المنطقة، وتحديدا بالنسبة لسوريا.
ولعله ليس من قبيل الصدفة ان ياتي هذا الاجنماع قبل ايام من صدور الدستور العراقي الجديد.وان تشير
التقارير الديبلوماسية والصحفية الواردة من واشنطن، بعد كل ذلك الى تنسيق اميركي فرنسي مستمر حول لبنان، تنسيق توسع ليشمل الملفين الايراني والفلسطيني دون الملف العراقي.
والسؤال الذي تبادر يومها اولا الى الذهن: ماذا حول لبنان؟ ولماذا استثناء العراق؟
الجواب على السؤال الثاني يتبدى في تعمد تجنب الولايات المتحدة اشراك الفرنسيين في اي موضوع يخص القضية العراقية: اولا لان العراق اصبح بالنسبة للاميركيين منطقة محظورة على اي نفوذ اخر، وثانيا لان الموقفين الاميركي والفرنسي قد لايتطابقان في هذا الموضوع. مما يجعل الفرنسيين يقبلون بجائزة الترضية المتبقية: اي المشاركة في الملف اللبناني السوري، خاصة مع ارتباط هذا الملف بالملف الايراني الذي تتعاون عليه اميركا واوروبا.
اما السؤال الاول فها هي الاحداث اليوم تفتح لنا اولى صفحات الجواب عليه وهي صفحات اشبه بالدمى الروسية، التي تخبىء كل منها في داخلها اخرى. فيما يدل خطاب الرئيس الفرنسي امس الى مؤشر اخر، قد يشكل فقرة في صفحة وقد يفتح اخرى .
لبنان على ما يبدو شكل، في المرحلة الماضية القريبة، فشلا غير متوقع للسياسة الاميركية الاسرائيلية، وخيبة امل غير متوقعة للسياسة الفرنسية.فالطرف الاول كان يراهن على امكانات التفجير بعد الخروج السوري وعلى امساك الاطراف المؤيدة له بالسلطة، خاصة بعد الانتخابات البرلمانية التي وقف ساترفيلد مايسترو بارعا لها. وكانت الحسابات المذكورة تعتقد بان تشكيل هذه الاطراف لاغلبية برلمانية سيؤدي الى تصرفها بالقرار السياسي بدون قيود. والى التوصل الى الدمية الروسية الاضغر التي تقع في قلب جميع الاخريات الا وهي نزع سلاح المقاومة وتحقيق الاستسلام لاسرائيل.
غير ان فشل الرهان بدا من خروج المظاهرة الشعبية الهادرة التي ردت بسرعة صاعقة على تلك التي اصر الاعلام المتامرك على كونها مليونية، وعلى اغداق الاوصاف عليها ومقارنتها باوكرانيا. المظاهرة الاولى تم التنسيق لها بجهد محلي ودولي ربما يكون قد سبق اغتيال اللحريري، اذ لا بد ان هناك من كانوا يعرفون بتدبير العملية، فتم استغلال الانفعال الهادر الناشىء عن الاغتيال لتجييش الناس. ولم يكن الكبت الخانق لدى شعب خرج من عقدين من الحرب الاهلية المجنونة الى سوء التصرف السوري والى ازمة اقتصادية خانقة الا ليجد في ذلك فرصة للانفجار.
اما المظاهرة الثانية فكانت شيءا اخر دون ان تكون اقل مليونية. كانت تناديا شعبيا لحماية المقاومة، وحماية الموقف السياسي اللبناني القومي والمناقض للامركة ولاسرائيل.
ببساطة، ودون تحليل المحرضات النفسية، نزل الخطان الى الشارع، وكل منهما يمثل خيارا اقليميا بل ودوليا. فكان هذا اللبنان الصغير مرة اخرى صورة مصغرة بليغة للصراع الاقليمي والدولي.
الصورة لم تكن الا لتقرا ولتشكل هاجسا خطيرا للخطة الاميركية الفرنسية المصاغة بالعبرية… واذا كان الاعلام قد تعمد التجاهل، فان المخططين الستراتيجيين لا يفعلون ذلك اطلاقا. لذا تركز الجهد على الانتخابات، لتاتي النتائج متوافقة مع تلك الخطة، لكن مسار الانتخابات وما بعدها لم يخرج عن منطق المظاهرتين.
من جهة اخرى جاءت المعادلات الاقليمية والدولية لتخلخل الحسابات المذكورة. فكان من الطبيعي ان تربط الادارة الاميركية المجتمعة في كراوفورد تقييمها بالوضع اللبناني بالملفين الايراني والفلسطيني.
وكان من الطبيعي ايضا ان تستثني العراق، لان حساب العراق قد نزل على الفاتورة السورية، التي وردت في ابندين الاولين من مقررات كراوفورد . ولان موضوع لبنان انما يتلخص في نزع سلاح حزب الله ونشر الجيش على الحدود.
عبارتان تتطلبان التدقيق: فليس المقصود بنزع السلاح، جمع الاسلحة الخفيفة التي يحتفظ بها كل لبناني وانما تفكيك المنظمة الصاروخية المنشورة في الجنوب، وتفكيك البنية العسكرية للحزب، بحيث يزول التهديد عن اسرائيل، خاصة الجليل الاعلى حيث تنتشر معظم المصانع الاسرائيلية.
اما نشر الجيش، فلا معنى له بذاته لان الجيش منتشر الان في الجنوب، واخر حاجز له لا يبعد عشرة امتار عن الشريط الشائك، غير ان المطلوب هو ان يقوم هذا الجيش بدور القامع المانع الذي يحمي حدود دولة الاحتلال ويتولى منع اي تهديد لبناني لها، وهنا يصر الاميركيون على ان تشارك في ذلك بالاضافة الى قوات الامم المتحدة، قوات عربية مصرية وسعودية وتشكيل كل هذه الاطراف دوريات مشتركة على الحدود. مما يعني عمليا ضمان عدم تساهل الجيش اللبناني في تطبيق الحظر الكامل، وتحميل الاطراف العربية والدولية مسؤولية اساسية في ذلك.
هكذا وبعد ان تتكفل جميع القوى بحماية اسرائيل من لبنان،ياتي دور السلام المنفرد، ويتفعل الضغط على ايران، بل وتفتح الطريق امام اسرائيل لتوجيه ضربة الى منشاتهاالنووية دون ان تخشى ردا صاروخيا من لبنان.
من هنا جاء عنوان خلوة كراوفورد، ” تقييم الوضع مع سوريا ” .
تقييم لا بد وان نتيجته كانت ستتجلى سلبية طالما ان سوريا هي الان في عين الصقر الاميركي ومحافظيه الجدد.
وقد جاءت كذلك، لكن قراءة متانية للبنود التبريرية التي اعتبرت ذنوب سوريا و بنى عليهاالفريق استنتاجه السلبي تقود الى جملة ملاحظات لا تحمل شيئا من الجدة لكنها انما تؤكد على امور معروفة يحاول البعض تجاهلها اويصر على تمويهها وتغطيتها بادعاءات واهية بقدر ما هي عنيدة.
البنود المذكورة اربع اولها يتعلق بالعراق، الثاني بايران، والثالث بلبنان، غير انها – وكعادة اكثر النصوص- تتلخص في كلمات مفاتيح، رغم كثرة الكلام الوارد فيها.
البند الاول يقول: استمرار عمليات تسلل المسلحين الى العراق، ودعم دمشق للمتمردين. وفي هذه الصياغة ثلاثة مؤشرات: الاول ان تهمة دعم العراق تبدا بمسالة تسلل المقاتلين، اما الثاني فهو ان هذه التهمة لا تقتصر على ذلك بل انها تتجاوز الى اي نوع من الدعم او ماتريد واشنطن وصفه بالدعم حيث تركت عبارة “الدور السلبي من خلال دعم المتمردين” بدون اي تحديد. بمعنى انه حتى لو اثبتت دمشق باية وسيلة انها ضبطت حدودها، وان تسلل المتطوعين قد توقف، فلن يجدي الامر شيئا.
وهنا تاتي الملاحظة الثالثة وهي لجوء التقرير الىاستعمال مصطلح المتمردين لا الارهابيين. وفي هذا ما يبدو للوهلة الاولى ايجابيا، حيث ان الصفة الاولى تعني وضع المقاومة خارج توصيف الارهاب مع كل ما يترتب عليه من نتائج قانونية وسياسية.وتعني بالتالي وضع سوريا خارج دائرة رعاية الارهاب بكل ما يترتب على ذلك ايضا.
غير ان للعملة وجها اخر، اذ ان من يدخل ضمن قائمة الارهاب في العراق وفق التوصيف الدولي، هي مجموعات ضيقة ومحدودة من المقاومة العراقية، لايمكن القول بان ثمة انسجاما او تنسيقا او دعما بينها وبين سوريا التي تتناقض ايديولوجيا وتاريخيا وعمليا مع الاصولية الاسلامية المتشددة والعنيفة. تناقض لم تتوقف دمشق عن وضعه في حيز الواقع من خلال تعاونها فيما يسمى مكافحة الارهاب.
والنتيجة ان هذا التعميم الاميركي مقصود ليقول لعاصمة الامويين ان تعاونها هذا ليس محسوبا ولن يشفع لها، ومثله موقفها من التشدد الاسلامي. كذلك فان انتقائيتها في دعم المقاومة، سواء من حيث الفصائل ام من حيث نوعية الدعم الذي قد يكون سياسيا او اعلاميا بحتا، لن تشفع لها ايضا. بل ان استعمال تعبير المتمردين، يعني ان دعم الفصائل المعتدلة والعلمانية خاصة البعثية هو المرفوض من قبل الادارة الاميركية.
اما الاخرون، الارهابيون فعلا، فانهم يعطون لايديولوجية المحافظين الجدد مبررا ايديولوجيا ومعادلا موضوعيا لايديولوجيتها ولستراتيجيتها.
بذا يبدو بند الاتهام المذكور وكانه رد على ردود دمشق المتعلقة بالعراق، رد يقول بان المطلوب شيء اخر….
اما البند الثاني في العناصر المذكورة، فهو زيارة الرئيس السوري الى طهران في الوقت الذي تمارس فيه اوروبا واميركا ضغوطا متصاعدة على طهران بسبب ملفهاالنووي. وقد علق البيان على هذه الزيارة بانها دليل على اخفاق دمشق في قراءة الوضع الاقليمي والحقائق السياسية الجديدة في المنطقة، وفي مخاطبة الاسرة الدولية.
قراءة متانية لكل عبارة من هذه الجملة الطويلة تقود الى جملة تساؤلات لا تبدو اجاباتها مستعصية: فالضيق من الزيارة السورية يعود الى كونه يقدم دعما لايران في وقت تريد فيه الادارة الاميركية تضييق الخناق عليها. اذن، سوريا تعيق الحصار الاميركي، ان على المقاومة العراقية او على طهران. فهل يصب ذلك في مصلحتها ام لا؟
الجواب بسيط، اذ ان الرضى الاميركي عن دمشق مستحيل، لكن درء الخطر ليس كذلك. واول وسائل هذا الدرء، غير المباشرة هي استمرار وتصاعد المقاومة العراقية، لان الولايات المتحدة لن تكون عندها قادرة على التورط في مستنقع اخر، كما انها لن تدخل في ضرب من المراهنة المجنونة المتمثلة في فتح جبهة مقاومة تمتد من العراق الى لبنان حزب الله عبر سوريا.
اما الوسيلة الثانية فهي بقاء الحليف الايراني في موقع قوة، موقع لن تزيده القوة النووية الا ثباتا، وهنا تنسحب خطورة القوس الذي ذكرنا بحيث يمتد ليبلغ طهران. وذاك ايضا ما لن تجرؤ عليه لا واشنطن ولا اوروبا.
لذا يلجا الجميع الى وسائل الضغط الديبلوماسي والاقتصادي والسياسي، وهنا تدور لعبة عض الاصابع بين الجميع. دون ان تكون سوريا منزوعة الاسنان تماما فيها.خاصة وهي تتكاتف مع الفك الايراني واللبناني.
واذا ما تذكرنا ان ايران قد دعيت هذا العام، وقبل شهر تقريبا لحضور اجتماع مجموعة تشنغهاي بصفة مراقب، فان ذلك يؤدي الى ما يعنيه ذلك من دعم صيني روسي اسيوي، ومن دخول لعبة عض الاصابع ايضا مع مطالبة البيان الختامي للمجموعة، برحيل القوات الاميركية من اسيا. مطالبة تبلغتها كونداليزا رايس خلال زيارتهاالاخيرة لبكين. ولم يكن ذلك بدون تاثير في تليين الموقف الاميركي مع كوريا. وفي تجرؤ الايرانيين في مفاوضات الملف النووي.
اذن، زيارة الاسد لطهران تزعج واشنطن فعلا، ولكنها ليست ابدا في غير مصلحة سوريا، خاصة مع تطورات الوضع اللبناني التي جعل منها البيان العنصر الثالث او الذنب الثالث.
من العراق الى ايران، ومن ثم ينتقل بيان خلوة كراوفورد الى لبنان.
حيث تناولت البنود الثلاثة الاخيرة الملف اللبناني. لكأن في تخصيص ثلاثة بنود لهذا الملف بذاته دلالة على اهميته في الرهان السياسي الدائر في المنطقة.
واذ يبدا البيان باثارة مسالة تفصيلية بسيطة هي مسالة التضييق على الحدود، فيما وصف بالاجراءات الانتقامية، فانه لا يتاخر عن ان يصل الى مربط الفرس في القضية كلها الا وهو نزع سلاح المقاومة.
غير انه في طريقه من هذه الى تلك يعبر بمسالة اخرى هامة ايضا هي الضغوط السورية باتجاه ارغام سعد الدين الحريري على زيارة دمشق.
الاجراءات الانتقامية على الحدود لاتزعج الاميركيين لانها تؤثر على المزارع والتاجر اللبناني المسكين، لا يرد ذكر لذلك في البيان، وانما ما يزعج امكانية توصل ذلك الى دفع الحريري لزيارة كان من الممكن ان تشكل صك براءة قاطع لدمشق من تهمة المشاركة في اغتيال والده. هذه التبرئة، يمكن ان تقلب المعادلة السياسية التي بنى عليهاالاميركيون والاسرائليون رهانهم على التفجير في لبنان وسيضع مؤيديهم وعملائهم من الزعماء اللبنانيين في خانة الياك كما يقال.
فما الذي سيقوله وليد جنبلاط او سمير جعجع بعد ذلك؟
وما هو اكثر اهمية من القول هو مصير مواقف هؤلاء من نزع سلاح المقاومة اللبنانية.، بعد ان يصبح الحريري في المعسكر المقابل؟ افتراض لم يكن بعيدا بعد ان جاءت زيارة السنيورة مقدمة لم تقصر عن افراز تاثيراتها على ساحة التعديلات المذكورة.
البيان يقول بوضوح ان المصريين والسعوديين قد تدخلوا لدى دمشق بطلب من الاميركيين لفك ازمة الحدود، لكن سوريا لم تستجب. والسوريون يردون بان المسالة ليست مجرد اجراءات انتقامية كما يصفها البيان، وانما هي في واقع الامر تحسبات امنية بعد اكتشاف متفجرات في بعض الشاحنات. غير ان العارفين المحايدين يعرفون ان القصة ليست هذا ولا ذاك، وانما هي مسالة اخطر بكثير،مسالة تثبيت تهمة الاغتيال او نفيها.
من هنا يفهم اكثر موقف الرئيس لحود وحزب الله الذي يدينه بيان كراوفورد باعتباره ” صمت حلفاء سوريا “. انهم حلفاء متهمون معا ومن صالحهم التبرئة معا.
ومن هنا يفهم ايضا لماذا استعجلت لجنة التحقيق الدولية القاء القبض على المسؤولين الامنيين اللبنانيين، حتى قبل صدور تقريرها الرسمي، بل وقبل تسليمه لمجلس الامن. ولم يكن من قبيل المصادفة ابدا ان يكون معظم القادة السياسيين اللبنانيين خارج البلاد، وخاصة في باريس عند حصول المداهمات.
من جهة اخرى يعرف جميع اللبنانيين ان الجميع كان يتحدث عن النتائج التي سيؤول اليها التحقيق الدولي قبل ان يتقرر.
لننسى التفاصيل، ولنحدق في الخطوط العريضة كي نرى ان اغتيال الحريري هو بمثابة اجتياح الكويت، وان لجنة التحقيق الدولية هي بمثابة المفتشين الدوليين، وان القادة المستهددفين في لبنان هم بمثابة القادة المستهدفين في العراق، وها هم الان معا في السجن الاميركي لا اللبناني، وها امرهم بيد الاجنبي لا بيد القضاء المحلي، بل ان هذاالاخير ينفذ الاوامر الدولية.
والغاية هي هي: استكمال قافلة النظام الاقليمي الجديد الذي نصبته اميركا بعد سقوط جدار برلين، واستكمال الاستسلام العربي امام المشروع الصهيوني.
ما عدا ذلك كله تفاصيل، وتنوعات في الاخراج تفرضها طبيعة الخشبة والفضاء المسرحي.
لا بد ان هناك من سيقول: لكن سوريا والنظام اللبناني ارتكبا اخطاءا في لبنان، وعلى الاخص الاجهزة الامنية. هذا صحيح، وهذا ما ينطبق ايضا على العراق. لكن موضوعية الاعتراف بخطا طرف لا تعفي من موضوعية ادانة تواطوء وخيانة الثاني، ولا تحجب الرؤية عن المخطط الدولي الصهيوني.
اما اولئك الذين قرقعوا اذاننا بصراخ السيادة الوطنية المنتهكة بفعل الوجود السوري، فليزفوا الينا اليوم عروس السيادة الوطنية التي تجعل من وزير العدل ومن مدعي عام لبنان، وسائر اجهزتهما شيخ غفر لدى سيد العزبة الاجنبي. ولا يقول لنا احد ان اقطاعية السيد مشروعة لانها اتت من الباب العالي الاممي لا من الباب العالي الاميركي، فليس هناك من يجهل ان كوفي عنان لا يرقى باي شكل الى اهمية بولتون داخل القبة الزجاجية. وليس هناك من نسي الفضائح التي تكشفت عنها حقيقة المفتشين الدوليين في العراق بعد ان حصل الاحتلال، واصبح كشف الحقيقة وعدمه واحدا.
اما لماذا اشتدت الوتيرة في لبنان، فان الامر اشبه بلعبة ” السيسو ” التي يركبها الاطفال، كلما هبطت من جهة ارتفعت من الاخرى في حين انها قضيب حديد واحد. صورة تنطبق على صعيدين: الاول اقليمي والثاني دولي. ففي الاول كلما ازداد الضغط على الاميركيين في العراق زادوا ضغطهم على لبنان وسوريا، وكلما اردوا تمرير شيء هناك غطوه بنيران ضجة هنا، وليس من قبيل الصدفة ان تاتي احداث لبنان مع ظهور جريمة الدستور العراقي.
اما في الثاني، اي الدولي، فكلما شعرت الولايات المتحدة بانها تتراجع على ساحة من ساحات العالم، ونحن الان امام تراجعين مهمين في اسيا وفي اميركا الجنوبية، كلما شعرت بان احكام قبضتها على العنق العربية هو الدرع البشرية النفطية الجيوبوليتيكية التي يمكن ان تحمي بها هيمنتها الامبراطورية…