في العام 1994 نشر بنيامين نتنياهو كتابه الستراتيجي : ” امن وسلام، استئصال الارهاب “، واعتبر فيه ان استئصال الارهاب الذي يهدد اسرائيل والولايات المتحدة يعني استئصال العراق اولا ثم ليبيا، سوريا وايران، وحشر المقاومة الفلسطينية فيما اسماه جيب غزة، ثم القضاء عليها هناك، والغاء اتفاقية اوسلو. وقد وضع الستراتيجي اليميني حدا زمنيا لذلك هو عام 2000.
على اساس هذا البرنامج انتخب نتياهو، يومها، رئيسا لوزراء الدولة العبرية. واذا كان تنفيذ برنامجه قد تاخر عن المهلة التي حددها، فان اغلبية بنوده قد نفذت. غير ان البنود الاخرى قد اصطدمت بالواقع وتعثرت.
ولعل التعثر الاكبر تمثل في حرب 2006 على لبنان، واذ فشل كسر المحور من الطرف اللبناني فقد لجا الستراتيجيون الى منطقة الوسط، اي سوريا، والان، اذا تبدى ان الوسط سيستعصي، رغم الدمار، فقد تنتقل النار الى الطرف الاخر من المحور، اي ايران.
من هنا يمكن قراءة ما نشرته صحيفة ديلي تلغراف أمس، من أن “إسرائيل” طالبت القوى المشاركة في المحادثات الدولية مع إيران بإعطاء الأخيرة مهلة أسابيع فقط للتخلي عن برنامجها النووي. ذاك ان معلومات استخباراتية تقاسمها الغرب مع إسرائيل، تشير إلى أن إيران باتت على مسافة خطوات فقط من مرحلة تطوير رأس نووي يمكن تركيبه على صواريخها من طراز (شهاب 3) ، الذي يصل مداه إلى نحو 1600 كيلومتر، مدى يطال اسرائيل كلها، بما في ذلك مفاعل ديمونا النووي في قلب صحراء النقب الجنوبية.
واذ يتقاطع خبر ديلي تلغراف مع تصريحات المسؤولين الاسرائيليين، وعلى راسهم داني ياتوم رئيس الموساد، حول المضمون ذاته. اضافة الى تهديدات هذا الاخير بتدمير أجزاء من لبنان وغزة إذا أطلق حزب الله وحماس صواريخ رداً على مهاجمة على إيران. فان السؤال يصبح مشروعا عما اذا كان خيار الحرب الذي يتبناه كل من نتنياهو وباراك قد تغلب عل معارضة بيريز واوباما له؟ ام ان معسكر الحرب يشن حربا نفسية اعلامية لتغليبه؟
وهنا نعود الى كتاب نتنياهو المذكور اعلاه، لنجده يروي بالتفصيل كيف ان الاميركيين لم يكونوا مقتنعين بتحميل الدول مسؤولية ارهاب المنظمات، ومعاقبتها على ذلك، ولا بربط الارهاب بالاسلام، وكيف عمل هو، بادارة موشي ارينز على ادارة حملة اعلامية – ديبلوماسية، توصلت خلال خمس سنوات باقناعهم بذلك، واقناعهم : بان العرب لا يكرهونكم بسبب اسرائيل وانما يكرهون اسرائيل بسببكم، كما يكتب.
اما السؤال الثاني، الاكثر واقعية، فهو عما اذا كانت حقيقة الامر تكمن فيما يحصل في سوريا، حيث ان المخطط الغربي – الاسرائيلي قد فشل في هناك، رغم استمرار الدم والدمار، فشلا يتمثل في امرين : الاول اليأس من امكانية تمرير حل التدخل العسكري الخارجي المباشر، والثاني فشل الجماعات التي تعمل من داخل البلاد من حسم الامر، رغم كل ما يضخ في شرايينها من اموال وعتاد ومقاتلين غرباء. والحل هنا، ايجاد مدخل اخرللتدخل الخارجي، الاسرائيلي هذه المرة، اذا لم يكن الغرب يريد فعل ذلك بنفسه. والمدخل هذا هو توجيه ضربة لايران، تضطر حماس او حزب الله للمساهمة في الرد عليها، وعندها يتحول التدخل الاسرائيلي الى لبنان وسوريا وغزة، وهذه هي الاهداف الحقيقية للستراتيجية الاسرائيلية. بدليل عودة ياتوم في حديثه الى حرب 2006 ليقول: “انها علمتنا أنه سوف يتعين علينا أن نوقف إطلاق الصواريخ من الشمال والجنوب بأسرع ما يمكن” وذلك “بتدمير البنية التحتية في لبنان وغزة، ومن المرجح تدمير أجزاء من لبنان وغزة”، كما يقول .. وامام هذا التحيل نفهم ما يبدو غريبا في قول المسؤول الاسرائيلي من ان لدى إيران مئات قليلة من الصواريخ التي يمكن أن تصل إسرائيل في حين إن القلق الرئيس يتمثل في عشرات الآلاف من الصواريخ الموجودة في ترسانات حزب الله وحماس.
رسالة يبدو ان الايرانيين قد فهموها لذلك ردوا بتوجيه النظر نحو مكان اخر، عبر تصريح مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية العميد مسعود جزائري بانه إذا أرادت دول العالم إرساء أمن الملاحة والتجارة في الخليج ومضيق هرمز فيجب أن تضغط على أمريكا من أجل سحب قواتها من هذه المنطقة.