لبنان التحرير ام الفتنة؟

صحيفة العرب اليوم، 27-05-2012

اثنتا عشرة سنة على اليوم المجيد، يوم التحرير في لبنان… والغيوم السوداء تتجمع في فضاء العيد وتحرم الوطن من التطلع الى فضائه. الوطن… ولا اقول لبنان لانني اعني ما هو اكبر. فاين انعكاسات التحرير على العالم العربي، خاصة مشرقه؟ واين انعكاساتهاعلى فلسطين لب الصراع كله؟

لبنان يبدو كرقصة روسية، يتعارك فيها راقصان متشابكان  يريد كل منهما ان يلقي بالاخر خارج المسرح، يقتربان مرارا من الحافة  حتى ليبدو ان احدهما او كلاهما سيقع خارج الحلبة، بل ان نصف جسد احدهما يتدلى احيانا لكنه يرتد ويعود الى وسط الخشبة، وبعد وقت من ترقب المشاهد ويده على قلبه، ينتصب الراقص ويخلع اللباس القناع، فاذا الراقصين واحد واذا الراسين دمية كان يرتديها هذا الراقص ويحركها.

خلال الحرب الاهلية مزقت الدميتان احداهما الاخرى، لكن احتلال 1982، اخرج الراقصين من الدمية، ودفع الى المسرح راقص اخر انطلق في رقصته الاسطورية منتصبا. لم تستسلم بيروت ولم يركع الجنوب رغم الطوفان، وتمكن الجميع ان يرقصوا دبكة الانتصار عام 2000، لكن الدمية كانت ما تزال عند طرف المسرح، كانت تنتظر العودة الى الحلبة. كان هناك راقصون اخرون مستعدون للدور. وعندما لم يتمكنوا من ذلك، اخرج رفيق الحريري من المسرح بدوي هائل، وعادت رقصات النار، تقترب مرة من الحافة، ومرة تبتعد. وقف راقصو الدمى في مواجهة راقصو الدبكة، حلموا بالقضاء عليهم بعد عام من القضاء على الحريري الاب، لكن الحلم لم يتحقق،ومنذها ونحن نقترب من الحافة ونعود.

الان اخرجت الازمة السورية الجميع من الاقنعة، وبات الخيار الموضوع اميركيا امام المسؤولين اللبنانيين، في زيارة فيلتمان ليبرمان: اما المنطقة العازلة واما الحرب الاهلية.

الخيار الاول غير ممكن لاسباب تتجاوز المبدئي والموقفي الى الوجودي، فالبلد اصغر من ان يتحمل ان يكون معبرا ومقرا للسلاح والمسلحين، وها هو انفجار الاحداث اليومي المرعب يدلل في كل مرة على  مصادر التسليح والتجييش هي هي الفاعلة في الوضع السوري بل ويدلل على  وجود مسلح واستخباراتي لمن يسمون باللاجئين السوريين في كل حادث ( من عكار الى طرابلس الى الطريق الجديدة الى كراكاس وغيرها). وها هي الدعوات تخرج صريحة الى الانشقاق عن الجيش وتشكيل الجيش اللبناني الحر الذي يقيم امارة اسلامية في عكار وطرابلس. والشيخ الذي قتل في مواجهة مسلحة مع الجيش يوصي بلف جثمانه بعلم الجيش السوري الحر.

والخيار الثاني،جاهز للتنفيذ لان كل ادواته ممكنة، ولا ينفع رفض الجمهور الذي يضع يده على قلبه في منع التفجير. غير ان لمحات تعقل – في الظاهر- وتوازن قوى – في الواقع – تعود فتقول ان دماء وعذابات وتضحيات الذين صنعوا التحرير، من احزاب وتنظيمات من شباب وامهات، من مختلف التوجهات والطوائف، يمكن الا تذهب هدرا، وان نوايا الذين يحركهم حقد طائفي وطمع في ” اكياس فضة” السلطان، يحركون بها البسطاء والجهلة الذين لم يتربواعلى المواطنة بل على الطائفة والمذهب، ولم يعيشوا العدالة الاجتماعية بل حقد الحرمان، يمكن الا تتحول الى واقع.

مرة اخرى لعل الانجاز التاريخي العظيم ينتصر على كل ما ومن يريدون محوه.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون