ابكي غيابك ام غيابي عن وداعك، يا نخلتي التي اختارت لها امي اسم البنفسج؟
حتى في الموت قالوا لي ان وجهك كان بهيا ومشرقا، فيما كان وجهي ينام تحت اصفرار البنج ولا اكاد افيق منه حتى اطلب التلفاز والصحف لارى اين نحن من الامة التي في غرفة الانعاش، او على حد السيف بين الدم والحياة… لم اكن اعرف ان جزئا اخر مني في غرفة الانعاش وعلى حد اللحظة بين الموت والحياة، وانه اختار ان ينحرف الى الحافة الاولى قبل ان انحاز انا الى الثانية. هكذا انفصلنا ولا لقاء! لاامل بلقاء حتى بين شفتين ويد معروقة انيقة، قبل التراب.
كل الاخوة اخوة، لكن للاخوّة طعما اضافيا اذ تكون الاسرة مترابطة كالسكر المذاب في ماء حنان. اذ يكون قدرها الغريب: ثلاثة بنات لاب وام، كل وحيد لابويه، واذ يمضي الاب باكرا فتلتصق الباقيات كانهن توام داخل الرحم. حتى الزواج لا يجعل الا لكل منا ثلاثة بيوت ولاولادنا ثلاث امهات.
كيف قفزت فوق كل ذلك ولم تنتظريني ايتها الفرس الشقراء؟
لكنك هكذا! لم تعرفي التريث يوما، ولم تترددي في قرار مهما كان مجنونا، في مزاوجة بين اناقة روحك وشكلك وسلوكك وجموح ارادتك العنيدة وكبريائك التي ابت عليك حتى ضعف المرض فاسرعت. ايتها الكبيرة التي كانت تتقن – كما لا نتقن – مد يدها للتقبيل ازاء الكبار ومدها بود للمساعدة امام البسطاء. ايتها الاميرة التي كانت تعرف – كما لا نعرف – ان تكون الاولى في مخمل القصور والاولى عندما تحمل سلتها لجمع الزعتر واعشاب الارض، وتنتقل من زيتون حقول الولادة الى تفاح حقول الزواج شريكة للفلاحين في خبرتهم ومعرفتهم بما يفعلون.
لا لانك اختي التي سلختها السكين عن قلبي، بل لانك نموذج لاولئك الندرة الذين امتلكوا في عوائلهم موقع الاسرة والموقع السياسي والاجتماعي والعلم، لكنهم ظلوا يرون في الارض عنصر فخارهم الاول، فتظل بيروت التي يحلم بها الاخرون، مكان الممر والمؤقت، فيما تظل قرية او بلدة الاصل، هناك في الجبل، هي الفخر والروح والخلايا، الكبرياء والمهد واللحد. هي الارض التي تصوغنا وتصلبّنا وتمنحنا لون عينين ولون جينات ونسبا من تراب وصخر وماء، من كرامة ومن قدرة على التضحية بكل شيء في سبيل كرامتها – كرامتنا.
في اسر قيدي كنت اغمض العينين وارافقك من الشاطىء الى تنورين، هناك تحت الصفصاف والسرو، قرب الارز وقرب ابنك الذي كان له من اسمه قدرا: ادونيس، قضى كالاله الذي تيمن به، شابا جميلا فتيا بانياب الخنزير البري. ومنذ حمل نعشه مقفلا من ارض الرافدين الى مثواه، ظللت تنامين بين الصور وتسيرين في لاوعيك نحو التسلل الى داخل القبر علك ترين وجهه او تشمين عطره.
هل كان ابن اختي هو المغدور الوحيد على ساحة الموت المليوني الذي نذر العرب له؟
هل كانت اختي هي الام الوحيدة في الكربلاء المليونية، او الجسمانية المليونية نحو جلجلة تتسع وتتسع لتكاد تشمل جغرافية الامة كلها، وكانها تحولت كلها الى مسيح يتامر اليهود للتخلص منه، وعادت روما لتسلمه اليهم، في حين تنامت اليهوذات كما تتنامى خلايا السرطان المجنونة التي تحصد كما وباء الطاعون ملايين منهم اختي؟ الفارق الوحيد الغريب ان يهوذا عاد فشنق نفسه في تينة، لكن يهوذاتنا يرقصون فرحين بفضياتهم ولا تين للشنق ولا زيتون للبركة. بل رقص حرام اتحدت فيه سالومي بيهوذا، لياتي راس يوحنا على طبق، وراس يوحنا هو راس البلاد هذه المرة.
هل يحق لي ان ابكي اختي؟ بل وحتى ان ابكي نفسي؟ افي هذا خيانة وانانية؟ هل علي ان اخجل من الاخرين، من الماساة الكبرى؟ ان اضع حجم المي في حجم الالم الكبير فاجده لا شيء يذكر؟
لكننا بشر!!