الف سنة ونحن نردد : عيد باية حال عدت يا عيد؟
فاية مسيرة هذه التي نصر عليها منذ القرن الرابع الهجري؟ وكم هي قليلة بقع الضوء التي اخترقت هذا الليل الطويل !!
ربما احيا العرب العيد مرة بانتصار على الصليبيين، مرة بالخروج من النير العثماني ومحاولة بناء نهضة جديدة، مرة باستفاقة هبت من سوريا ومرة من مصر، مرة بانبلاج مقاومة عربية لاجل فلسطين، مقاومة فلسطينية عابرة للاقطار وعابرة للطوائف والاديان والاعراق، فيما ظنناه سيكون نموذجا لعالم عربي حديث، مرة بتحرير جنوب لبنان، ومرة بانتفاضة بدا وكانها ستغير المعادلة على الارض.
لكنها بقع اشبه بجلد النمر الذي اصبحته فلسطين، بعد ان اريد لنا ان نقتنع انها اخرجت امام مدفاة في غرفة مظلمة في بلاد باردة بعيدة، من نار الاحتلال الى حلم الدولة، فاذا النار هي النار والحلم الذي كان ثورة يتحول الى سراب. ليتحول الثوار الى موظفي سلطة لا تدفع لهم الا من عطايا الدول المانحة، صديقة العدو والتي ليس بينها اية جهة ثورية. اعيدت الثورة الى بيت الطاعة النفطي والغربي، بعد ان كانت عروس النيل قد زفت الى سيده، وبدا العمل على ادخال العالم العربي كله، خطوة خطوة، الى غرف هذا البيت الذي لا يقصر تعدد الزوجات على اربع…وما ملكت ايمانكم!!
عيد باية حال عدت يا عيد؟! وكافور يتناسل ويتوالد، وسيف الدولة لا يعرف ايواجه سيوف الروم ام سيوف العرب، وخولة لا تموت على سريرها في حلب، بل تتوزع اشلاؤها على كل الجدران، فيما لا حمامة تواسي ابو فراس في قاعدة انجرليك. اما المتنبي فيختم قصيدته بصرخة في سره : يا علي بن الحسين، اذهب استشهاديا لمواجهة سيف فاتك الاسدي ومن معه من قطاع الطرق، علّك تترك بذلك لهذه الامة التي ستحتاج الشحن المعنوي قرونا وقرون، خاتم اسطورة لك فيها قدر من اسمك، مرتين، وقدر من ارثك التموزي مرارا. ارث ليس الا واحدا من تجلياته قدر عيسى بن مريم.
وبذا كنت نبيا لا متنبيا، لكن ارثك استمر وتكرر دون الحاجة الى ادّعاء النبوة، والى حمل وزر هذا الجنوح بديلا عن الاسم الجميل الحقيقي.
هكذا مضى انطون سعادة الى مواجهة قاتليه على طريق برّي بين دمشق وبيروت، وهكذا مضى يوسف العظمة الى مواجهة قطاع الطرق الفرنسيين على طريق ميسلون، هكذا مضى سعيد العاص وعز الدين القسّام على طريق سوريا- فلسطين، وهكذا مضت قوافل وقوافل من وجوه من نور على طريق استعادة وجه سيف الدولة فوق اسوار الثغور.
وبالمقابل عادوا : من يقطن ارض الروم وعينه على ارض العرب بفعل الجغرافيا السياسية، ومن يقطن همجية المغول والتتار وحقدهم على الحضارة والانفتاح، من ورث روما ومن ورث هولاكو
من ورث مارك سايكس وجورج بيكو، من ورث جابوتنسكي ومن ورث بن غوريون، من ورث حاكم المخيمات والمندوب اللورد كرومر ومقولته الشهيرة في بداية القرن العشرين: ” ليس المهم من يحكم مصر، بل المهم من يحكم من يحكم مصر “.
لكن الامر الاكثر ايلاما هو ما كتبه الامير شكيب ارسلان قبل قرن: ” ما من فتح فتحه الاجانب لبلاد المسلمين الاّ كان نصفه او قسم منه على ايدي اناس من المسلمين، منهم من تجسس للاجانب على قومه، ومنهم من بث الدعاية بين قومه، ومنهم من سلّ لهم السيف في وجه قومه واسال في خدمتهم دم قومه ”
هنا الم الحال التي عاد بها العيد يا علي. تشتت القرن الرابع الهجري، ومن يحكم من يحكم دويلاته، والواقع الذي يؤلم الامير المناضل… وليت دون هذا العيد بيدا دونها بيد.