على اونا على دووي

العراق، 12-04-2012

اشياء كثيرة تباع في المزاد, وكثيرا ما يكون ارتفاع ثمنها مقترنا بقيمتها الرمزية. ولكن اي ثمن يمكن ان يساوي ما تساوي رمزيته امة باكملها?

مسدسات صدام حسين, تعرض في المزاد, وفي اسرائيل. هل ثمة شيء يبقى لكتابة مقال صحافي سيكون قاصرا ولا شيء, طالما انها الامة التي تعرض في المزاد على يد عدوها. مصادفة ان تكون هذه الامة من الاكثر غنى ( ولا اقول ثراء ) وان يكون دلال المزاد من الاكثر شهرة في تاريخ الشايلوكية التي نجحت في الابتياع والمصادرة.

في دراسات السيميولوجيا تختصر كلمة او اشارة او احالة عالم بكامله, وفي هذا المزاد لا يمكن الا وان يمثل مسدس صدام حسين سلاح العرب, وقوة العرب واستقلالية العرب. بصرف النظر عما اذا كنا نحب الرجل ام لا واذا كنا من اتباع سياسته ام لا, بل حتى ولو كنا من الذين نصبوا له ونصب لهم العداء السياسي. فهو رئيس دولة ( ايا الحقنا به من صفات ) الدولة التي حاولت ان تنهض بمشروع استقلال وقوة : استقلال اقتصادي في عملية تأميم لثروات يضعها كل المالكين الاخرين في يد الاجنبي, واستقلال سياسي, لمشروع وقرار لا وجود له لدى الاخرين لانه مصادر بيد من صادر الثروة, واستقلال عسكري في محاولة بناء جيش استطاع حماية البوابة الشرقية – وذاك ما كان مسموحا له – وتم تدميره كي لا يحمي البوابات الاخرى, خاصة الجنوبية – وذاك ما هو محرم عليه وعلى سواه. والنتيجة وقفة كرامة ممنوعة على العرب منذ مئات السنين, وحلم عربي ممنوع عليهم بثمن رقاب كل من تراءى لهم في لحظة يقظة.

فيما عدا ذلك, يمكن ان نطلق كل التهم على شخص صدام حسين وحكمه, وهنا ندخل دائرة الاختلاف السياسي المشروع, ويمكن ان ندين افعالا كثيرة قام بها, وذاك ما يدخل في باب المحاكمة النقدية المطلوب توفرها عند كل من يعرض صدره لاتخاذ مواقف.

وبذا, تكون قطعة السلاح التي تخص الرئيس الشرعي لدولة عربية كبرى قادت التحدي ضد الامريكي والاسرائيلي, هي الجيش العراقي الذي تم حله في اول قرار للاحتلال, وهي السلاح العراقي الذي تم تدميره باوامر امريكية – صهيونية, هي سيادة العراق واستقلاله. لكنها اكثر من ذلك : هي كرامة الامة واملها وسيادتها واستقلالها التي لم تعد قائمة الا في حجرات قلوب المناضلين من ابناء الشعب واصرارهم على المقاومة.

تقول الانباء إن المسدس المعروض للبيع يحمل صفة البابلي, وفي ذلك ايضا دلالة واضحة على ما كان يراه صاحبه وتراه اسرائيل من طبيعة علاقة بين السلاح العراقي – وافتراضا العربي – والدولة المغتصبة. لذلك لم يكن من المستغرب ان اول ما دمره الغزاة في المتحف العراقي هو الواح السبي البابلي, وان عرض المسدس البابلي في مزاد اسرائيلي هو انتقام لم يكتف بالانتقام الاول, قبل اكثر من الفي عام حفر اليهود لقورش اسوار بابل ليحتلها بثمن اعادتهم الى فلسطين.

يوم اخذت مومياء رمسيس الى فرنسا لمعالجتها, اصر بيغن على زيارته في مستشفى المومياءات ليقف امامه قائلا : ها نحن عدنا يا رمسيس.

والان يقف نتنياهو امام مسدس صدام حسين ليقول : ها نحن نسبي سلاحك يا من تجرأ على تهديد اسرائيل.

هي قطعة سلاح, لا بل هي سيف خالد بن الوليد, وسيف صلاح الدين, بل هي الامة كلها تقف على دكة الجواري وشايلوك يصرخ مناديا : على اونا على دووي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون