نحن امام نموذجين للحكم الاسلامي، التركي والسعودي، يقول الباحث المصري ضياء رشوان، مدير مركز الاهرام للدراسات، وعلى مصر ان تجد نموذجها الخاص بدلا من ان تلتحق باحدهما.
بالمنظور التاريخي الجيوبوليتيكي لا تحيل هذه المقولة الى مضمون ديني او اسلامي، رغم الظاهر فيها، وانما تحيل الى مسالة الصراع على دور المركز في العالم العربي وفي الشرق الاوسط عموما. فاذا كان لا يخفى على مراقب ان هذه المنطقة تعيش منذ ظهور الاسلام ( بل واستمرارا لما قبله ) صراعا على دور المركز، المركز داخل الجغرافيا العربية، بين مواقع جغرافية ثلاث : الجزيرة ( مكة)، الشام (دمشق الامويين بغداد العباسيين) وادي النيل ( قاهرة الفاطميين) ، والمركز داخل الاقليم بين كل هؤلاء وبين الفرس والعثمانيين، في امتداد لبيزنطة والساسانيين ( وهنا نتحدث جيوبوليتيك بصرف النظر عن الدين) اللذين كانا يتقاسمان البقعة العربية الى ان جاء الاسلام العربي فاخرجهما منها ولم تستقر دولته الا بالانتصار في اليرموك والقادسية.
عودة الى اليوم، ثمة صراع واضح، من سقوط المركز المصري بكامب ديفيد، وسقوط المركز العراقي – الي حاول تلقف الكرة بعدها – بالاحتلال، وتكبيل المركز السوري بالمشاكل، صراع تحاول فيه كل من تركيا وايران قيادة هذه المنطقة والهيمنة على جزء من العرب بدعوى الدين.
واذا كانت المرحلة القومية قد خلقت في العالم العربي معسكرين : دول الاعتدال وعلى راسها السعودية، ودول الخط القومي وعلى راسها مصر الناصرية، فالعراق البعثي (وقبله عبد الكريم قاسم ) وسوريا البعثية، فان الصراع بين هذين المعسكرين لم يتوقف، موظفا اسلحة المشروعية القومية والشعبية او العائلية ولم يوفر الدين بل والمذهب. وبمنطق التحليل السياسي نرى ان الخطاب القومي لم يمنع مصر من ان تقاتل بعنف للاحتفاظ بدور المركز، اولا ضمن المعسكر القومي او في مواجهة المعسكر الاخر. وعندما لجا السادات الى كامب ديفيد اعتقد انه سيخرج من المعسكر القومي ليتراس معسكر الاعتدال، لكن ذلك لم يكن ممكنا لان للبيت اهله السباقون الراسخون اولا ولان الازمات الاقتصادية التي دخلت فيها مصر جعلتها قاصرة عن ذلك. مرة ثانية حاول حسني مبارك تلقف الكرة عندما هيا للاميركيين – عبر الجامعة العربية – حفر الباطن، معتقدا انه سيعود بذلك الى موقع القيادة، لكن الحسابات ايضا لم تتحقق، لان المنافسة هنا كانت محكومة بمعطياتها المتعلقة باسباب حرب الخليج نفسها.
سقط الجميع وكبا الحصان القومي، وتقدمت ايران وتركيا لملء الفراغ، على صهوتي حصان المذهبية الاسلامية، غير ان السعودية كانت تملك ايضا حصانها في هذا اللون من السباق، وفي الطرف السني تحديدا. فهل ستقبل مصر ان تحدو للحصان العثماني وقراءته الحديثة ؟ ام انها ستلحق سيرا بالحصان الوهابي ؟ ام ان عليها ان تخلق نموذجها الخاص فيما يتوافق مع عقلية القيادة المتاصلة لدى المصريين، خاصة ان لديها في كنز في هذا الرهان هو الازهر الشريف، بكل ما يعنيه من صيغة اصيلة سمحة راسخة الزعامة الاسلامية، دينيا وعلميا وحضاريا ؟
بخلفيات هذا السؤال نعبر الى خلفيات الصراع الذي دار حول الازهر، ليس فقط في مصر وقد تابعه الكثيرون، وربما لم ينتبه اليه الكثيرون ايضا تحت طبقات الضجيج، وانما في دول عربية اخرى، خاصة لبنان وسوريا، حيث احتار المراقب العادي من التعدي الذي مارسه السلفيون على دور الافتاء ورموزها. ولا تغيب عن هذه الخلفيات مبادرة الامارات العربية المتحدة الى التبرع بربع مليون دولار لمكتبة الازهر.
فهل يكون ما نسمعه في الدوائر السياسية، عن النموذج الباكستاني هو البديل الذي اختارته مصر؟