قبل سنتين وقعت في يدي – وكنت ما ازال اعيش في فرنسا – وثائق عن الصفقات المشبوهة التي يعقدها طوني بلير، في العالم العربي – وحوله- بدءا مما تلقاه لقاء دوره في احتلال العراق، الى علمه كسمسار تحت ستار مهمته الشكلية ك ” مبعوث الرباعية الدولية “. وما يتلقاه من كوميسيونات ورشاوى لقاء صفقات سياسية واقتصادية، من العقيد معمر القذافي، ومن عدد من امراء الخليج، وتوسطه لشركات تامين اوروبية واسرائيلية لديهم لقاء نسب شهرية يتقاضاها من هذه الشركات، كما كشفت عن دوره الاساسي في ازمة الاتصالات الفلسطينية التي اصطدمت بامتناع اسرائيل عن اعطاء الترددات المطلوبة، حيث كان بلير يشكل السمسار الرابط بين شخصيات فلسطينية، اسرئيلية وقطرية، من ابناء المسؤولين في السلطة والدولتين العبرية والقطرية، وكلها تشترك في صفقة الترددات هذه، وترتبط بدورها بجي بي مورغان. وكان المطلوب ان يعيق بلير العملية ثم يعمل كوسيط لصالح جي بي مورغان لقاء راتب شهري صرف له باسم مستشار، وتمت الصفقة بعد ان حصل كل من المتفاوضين الاربعة على حصته من دم الشعب الفلسطيني ومن اموال الخليج، وحصلت جي بي مورغان على ما ارادته في اطار الازمة الاقتصادية العالمية.
كان في هذه الحادثة نموذج فاضح للمبدا القائل بان العولمة واقتصاد السوق انما يؤسسان للفساد باعتماد مبدا التماهي بين اصحاب السلطات الاقتصادية واصحاب السلطات السياسية. وكان فيها ايضا دلالة فاضحة اخرى هي ان فضيحة بلير وبعض المسؤولين العرب، تؤشر الى العملية الكبرى التي تمثلت في السمسرة على العراق، فهذه ليست سوى عينة- قطرة من جبل الذهب ذاك. دون ان ننسى السمسرة التي دارت وما زالت تدور على فلسطين وسوريا.
كان فيها ايضا ما يقدم دليلا اخر على طبيعة ما حدث في ليبيا من مصادرة للثورة من قبل برنار هنري ليفي، واصرار ساركوزي الفرنسي والبريطانيين والطليان على قتل القذافي دون تحقيق ودون محاكمة، وحتى وزيره الذي هرب الى النمسا وجد غريقا في الدانواب لتغرق معه اسراره وكل ما يعرفه عن السماسرة والمرتشين.
اذكر اليوم ما اطلعته عليه قبل سنتين، لانني في حينه كتبته ( وكنت اكتب لخمس صحف في خمس دول عربية ) لكن ايا منها لم تقبل نشر مقالي. – ربما لانني كنت ساذجة بعض الشيء وذكرت الاسماء والوقائع بالتفصيل. وبعد ايام كانت الجزيرة تذيع مقابلة طويلة مع بلير لمعّته كرسول للسلام وكصديق للعرب.
اليوم يمثل بلير امام المحقق البريطاني فيمما يعرف بتحقيق ليفيسون نسبة الى اللورد الذي كلفه رئيس الوزراء بالتحقيق في قضية روبرت مردوخ. ولم يكن البريطانيون لطفاء كالعرب مع مجرم حرب العراق، فقد استقبلوه بالرشق بالبيض، ووصفوه بمجرم الحرب، وطالبوا بالتحقيق معه بخصوص الحرب على العراق قائلين انهم سيتبنون حملة لتحقيق ذلك. وعادت جي بي مورغان الى الواجهة عندما قال احد المنظمين وهو مخرج وثائقي ان بلير عقد صفقة مع الشركة المصرفية الاميركية اليهودية تقضي بان يغطي بلير احتجاز جي بي مورغان 20ل مليار دولار من مصارف العراق، مقابل حصوله على ستة ملايين دولار سنويا من البنك كعمولة.
هذه المرة لم يكن باستطاعة الاعلام ان يتجاهل الامر، فالمتحدثين ليسوا كاتبا او صحافيا عربيا يمكن منع نشر مقاله او تقريره، وانما هم جمهرة بريطانية في الشارع. لذلك اضطرت وكالات الانباء بما فيها رويترز الى نشر الخبر، معقبة عليه بان القاضي اعتذر لبلير وان هذا الاخير كذب الاتهامات الموجهة اليه، خاصة علاقته بجي بي مورغان.
ويظل السؤال : هل يغير انكشاف الامور شيئا في احتلال العراق، في تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها الى مزادات سمسرة، في تبذير اموال النفط لصالح من يدمرون القلاع العربية، من احتلال ليبيا وتدميرها وسرقة ثرواتها والتمهيد لتقسيمها ؟
هل يجوز ان نقول ان ما فات مات ؟ ولماذا لم تمت اسطورة الهولوكوست وما يزال اليهود يبتزون العالم بها ؟
وحتى ما لم يفت بعد، هل سنتنبه له ؟ هل سيساعدنا ذلك في القاء ضوء على خفايا ما يحدث في سوريا، والعمل على تجنيبها مصير ليبيا او العراق ؟ هل توقف السماسرة، وهل من الضروري ان يكون اسمهم طوني بلير؟