للمرة الثانية يلجا العرب الى طرد بلد عربي من عربسات. الاولى كانت في مؤتمر القمة الذي عقد في بغداد اثر اتفاقية كامب ديفيد، حيث اتخذ المؤتمر جملة قرارات من اهمها نقل الجامعة العربية من القاهرة، ومن ثم طرد مصر من عربسات.
لم يكن الامر اجراءا عقابيا بقدر ما كان يجسد امرين: الاول هو تاثير الاعلام وتخوف الدول العربية من تسويق الاعلام المصري لخطاب كامب ديفيد في وقت كان ما يزال لدول الصمود والتصدي ثقلها. هذا الثقل الذي لم يسقط الا بسقوط العراق. اما السبب الثاني، وهو الابعد مدى، فهو وعي النظام الرسمي العربي، كما كل الانظمة في العالم لاهمية الاعلام في تاكيد زعامة ما ضمن فضاء ما.
فمنذ قيام الدولة العربية الاسلامية واربعة بؤر تتصارع على دور المركز: الجزيرة العربية والراشدين، دمشق والامويين، بغداد والعباسيين والقاهرة والفاطميين ومن ثم المماليك. صراع انتقل الى العصر الحديث عبر زعامتين تنازعتا النصف الثاني من القرن الماضي: قاهرة ناصر، ورياض ابن سعود. الاولى تتزعم معسكر المواجهة مع اسرائيل والولايات المتحدة والثانية تتزعم معسكر الاعتدال ازاء الاثنتين، بل والتحالف الكلي التاريخي مع الثانية.
في علم الاعلام مقولة تعتبر قاعدة تدرس: “لاهتلر بدون الراديو”. وفي صراعات الخمسينات يمكننا ان نقول: ” لاناصر بدون الراديو ” علما بان صوت العرب كان جزءا من ماكينة كبيرة بالمعنى الشامل للميديا: الاهرام ومقال هيكل “بصراحة” وسائر الصحافة التي تقف في هذا الخط، ام كلثوم وسائر المجموعة من الكبار، السينما المصرية والمسرح والنشر الخ… كل وسائل الاتصال هذه هي ما نشر الناصرية فكرا وانجازا وكرّس زعامة مصر على العالم العربي وعلى جامعة الدول العربية، وعلى راس محور المواجهة.
بالمقابل كانت الرياض، على راس محور الاعتدال، تسعى الى انتزاع العرش، فانشات موازيا لجامعة الدول العربية هو مؤتمر العالم الاسلامي، لتواجه بالمشروعية الاسلامية، مشروعية ناصر العروبية، والتي اضيف اليها حكم البعث، بحيث لم يعد هناك مجال لمنافستهما على ساحتها. كذلك انتبهت الى اهمية الاعلام، وادركت بذكاء ان شراء الاقلام العاملة في مؤسسات الغير لا يكفي، وان تمويل بعض الصحف المهاجرة الى اوروبا لضمان اصطفافها لا يكفي، بل انه لا بد من امتلاك المؤسسات الاعلامية الخاصة بها، يساعدها في ذلك علاقاتها القوية بالغرب. وعليه ارسل هشام ومحمد علي حافظ الى لندن لتاسيس الشركة السعودية للدراسات والنشر التي اطلقت مطبوعاتها واهمها جريدة الشرق الاوسط. ومن ثم اشترت جريدة الحياة.
في التسعينات، وعندما قررت الولايات المتحدة انشاء النظام الاقليمي الجديد في الشرق الاوسط بالقوة العسكرية، اعتبر حسني مبارك ان حاجة واشنطن الملحة للقاهرة لتغطية حربها عربيا، بدءا من اتخاذ قرار ادانة العراق في مجلس الجامعة، ستسمح له بالعودة الى ساحة الزعامة. وعليه اطلقت الفضائية العربية الاولى: المصرية. اذ ان الاعلام العابر للقارات هو سمة المرحلة الجديدة: العولمة التي تقوم في واحد من اهم اركانها على ما اسماه ال غور ب ” ممرات الاتصال “. رسميا، قيل ان الهدف هو مقاومة اعلام صدام حسين. لكن السعوديون انتبهوا الى تاثير الفضائية الجديدة الكبير في المجتمعات الخليجية. فلم يكن منهم الا ان اطلقوا امبراطوريتهم الاعلامية الفضائية. هم زعماء معسكر الاعتدال والاصدقاء التاريخيون للولايات المتحدة، ولن يسمحوا لاحد باختطاف ثمار المرحلة – مرحلتهم، فضائياتهم هي من سيواجه اعلام صدام حسين، ولكنها هي ايضا من سيثبت زعامتهم في العالم العربي… دون ان يتوقع احد ان يطلع المنافس من جيب مجلس التعاون الخليجي.