زوار الفجر

صحيفة العرب اليوم، 12-08-2012

كانوا قاسما مشتركا بين جميع الدول العربية باستثناء لبنان، الذي لم يعرفهم الا في فترة قصيرة من حكم الرئيس فؤاد شهاب اثر فشل الانقلاب الذي نظم ضده. لكن بلاد الارز، استعارت زوار الفجر بعد ان انتهت موضتهم لدى الاخرين، بل وبعد ان بدا ان ما يسمونه الربيع العربي يضع الشعوب والحكومات على خط معاكس تماما.

منظر باب البيت المحطم والمخلوع من اعلى الى اسفل في الخنشارة، البلاطات المكسورة امامه، السيدة المرعوبة التي وجدت عناصر الامن وبينهم عدد من الملثمين في غرفة نومها، يستلون زوجها من سريره، يضاف الى مشهد الفتيات المرعوبات اللواتي دخل عليهن الرجال في الوقت نفسه في بيت الاشرفية، وجردونهن من هواتفهن النقالة، وبقين محتجزات طيلة يوم كامل استغرقه التفتيش، علما بان والدهن هو المطلوب وليست اية واحدة منهن. هو  مشهد لا يحيل ابدا الى عملية توقيف قضائية وفق القواعد والاجراءات القانونية وحتى الامنية لدولة دولة… وانما يحيل الى عصور مضت وكدنا ننساها، في تعامل جهاز امني مع الناس، او بالنسبة للبنانيين، الى زمن الحرب الاهلية يوم كانت الميليشيات تتعامل بهذه الطريقة مع خصومها. خاصة وان جهاز المعلومات هو في لبنان، جهاز خاص، غير الامن العام او الشرطة القضائية، وهوجهاز غير متفق على شرعيته.

من هذه النقطة المبدئية التي تسجل سابقة خطيرة جدا في عودة زوّار الفجر بطريقة مرفوضة وغير قانونية، ننتقل الى نقطة ثانية غير قانونية ايضا، وهي ان التسريبات حول التحقيق مع الوزر ميشال سماحة بدات بعد نصف ساعة من اعتقاله، وراحت تتصاعد بشكل مدروس سيكولوجيا، حيث قالت اولها ان تهمته امنية، ثم قالت الثانية ان التحقيق يجري على خلفيات كثيرة بما فيها التعامل. وكلمة التعامل لا تعني بالنسبة للجميع – خاصة بعد سيل الجواسيس الذين كشفوا في لبنان – الا التعامل مع اسرائيل، مما يعني دفع جميع الفرقاء، بمن فيهم حلفاء سماحة الى الصمت بانتظار انكشاف الامور. بعدها راحت التسريبات تتدفق، وراحت السترتيجيات السياسية تتضح مذكرة بما حصل مع اعتقال الضباط الاربعة، واقناع الجميع لمدة اربع سنوات انهم متورطون في اغتيال الحريري، ثم الافراج عنهم بعد الاقرار بالبراءة، دون تعويضهم عن كل ما لحق بهم وبعوائلهم، ودون الاقرار بما الحقه هذا التزويرالسياسي لقضية جنائية من طمس للحقيقة. تذكير يعيدنا الى امر مهم هو ان الجهاز لن يعدم شهود زور كما حصل مع الضباط، وحتى عندما ينكشف زورهم، فلن يتمكن احد من الحصول على ملفاتهم ومحاسبتهم.

بقى السؤال المهم حول المضمون: نعن ميشال سماحة صديق وحليف للسوريين، نعم هو من كان في اصل علاقات بشار الاسد مع فرنسا وترتيب زياراته اليها، نعم هو صديق كلود غايان الذي كان يمسك بالملف السوري في الادارة الفرنسية، نعم هو واحد من اصوات المقاومة وينسق معها، كما انه يزور دمشق وينسق معها. والاهم انه صوت سياسي – اعلامي – بحثي مسموع  جدا، وذو مصداقية، ويعرف العارفون انه يمكلك ملفات كثيرة تشكل ادانات فاضحة مدمرة للكثيرين، وقد يكون خطؤه انه تحدث عنها، بل وهدد بفضحها. هذا في اعتبارات الملف السوري وهو الاساس. اما في اعتبارات الملف اللبناني الداخلي، فالانتخابات على الابواب، والكل يتنفس وينبض على ايقاعها هذه الايام. ولعل واحدة من اهم مناطق التحدي فيها ستكون منطقة الشمال حيث تتركز مخيمات السوريين، والتي اعلن زعيم المردة سليمان فرنجية منذ اسبوعين ان بينها خمس مخيمات عسكرية، تحت ستار انساني  ومستشفى ميداني كامل التجهيز. وطالب فرنجية باعتبار كلامه بلاغا والتحقيق فيه، لكن احدا لم يستجب.

الشمال هو بؤرة التوتر وهو المرشح لان يكون منطقة عازلة، وذاك ما يقتضي ان يسيطر عليه، امنيا وانتخابيا قوتان: مسلمو 14 اذار ومسيحيو القوات اللبنانية. وهنا كانت معركة الكورة اول انتصار لهؤلاء حيث تمكن المال من تامين فوز مرشح القوات على مرشح القوميين السوريين. من هنا نفهم تركيز التهم المشاعة لسماحة على انه كان ينوي تنفيذ عملياته الارهابية في الشمال وعكار ( علما بانه من المتن ولا يملك اي نفوذ او عبور الى الشمال)، كما نفهم ادخل مسالة اغتيال البطريرك الراعي في قائمة التهم، لان سياسة الراعي الوطنية هي اكثر ما يشغل بال معسكر 14 اذار الذي خسر في البطريرك صفير حليفا غير مشروط، لا ننسى ان مواقفه المنحازة علنا كانت في اساس ترجيح نتائج الانتخابات السابقة لصالح هذا المعسكر ( دعم كرسه بتوصية رسمية عشية الانتخابات ). وجاء الراعي لينتهج خطا متوازنا مختلفا تماما من الطبيعي ان تتضافر الجهود والمؤامرات لتغييره. ومن هنا نفهم ردة الفعل المنسقة بين ستريدا جعجع( قوات ) وخالد الضاهر( 14 اذار )، خاصة فيما يتعلق بالترحيب بزيارة الراعي وتقديم الضمانات بشان سلامته. دون ان ينتبه هؤلاء الى ان احدا لا يستطيع تامين الحماية الا اذا كان هو من  يشكل التهديد.

وبموضوعية شمولية نقول: لا تهديد في الوقت الحالي للمسيحيين لان المطلوب الان هو الفتنة السنية الشيعية، اما المسيحيون فالمطلوب منهم الانحياز الى هذا المعسكر او ذاك، وبما ان سماحة قد انحاز الى معسكر  خصم فرع المعلومات، فقد جعلوا منه رسالة مزدوجة: الانتقام منه وتهديد كل من يشبهه بمصير مشابه.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون