يبدو أن الابراهيمي لم يكن ينطلق من مجرد تحليل عندما حذّر من امتداد الصراع المسلح في سورية الى دول الجوار. فلم يكد حبر كلامه يجف، حتى سقط وسام الحسن وأهل الأشرفية في بيروت، والغريب أن الناس تتذكر دائما المسؤول الكبير عندما يُقتل، وتنسى كل الآخرين الذين يموتون معه، ولم تكد الجنازة تقام في بيروت حتى أعلن عن كشف شبكة إرهابية في عمان، لو قدّر لها لا سمح الله أن تنفذ خطتها لانفتحت البلد على أتون لا يستطيع أحد تقديره.
لم يكن وسام الحسن الا شبيه الأجهزة التي أحبطت خطة عمان، وقد توصل هو الى إحباط الكثير من المخططات الارهابية والتجسسية في لبنان. لكنه رغم ذلك لم يكن الحاضر الأول في جنازته، كما يكون حال أي مشيع، خاصة اذا كان قد قضى شهيدا. كان شبه غائب مثله مثل العلم اللبناني، وحضرت أعلام الجماعات المسلحة السورية بأنواعها وأعلام القوات اللبنانية. لم يكن أحد معنيا بالرجل الذي سقط ولا بالضحايا المدنيين الذين دفعوا ثمن سقوطه.
بعض الموتورين في 14 آذار اعتبروها فرصتهم للعودة السريعة الى السراي الحكومي، بل وبلغ الحد أن مذيعا مغمورا اعتبرها فرصته ليقتنص الميكروفون ويصرخ ويدعو الى الهجوم. فيما اعتبرها سمير جعجع فرصته التاريخية، وهو العائد لتوه من جولة، من الواضح أنها زودته بخطة وفيتامينات قوية. هو الذي سمح لنفسه بأن يحلم بالرئاسة الأولى وإلا بدعوة جماعته الى “نضال طويل” تاركا لكل من يعرف تاريخ لبنان الحديث أن يتصور طبيعة النضال الذي يمكن أن يقوده هذا الرجل.
الرئيس الحريري، سارع الى الاتصال طالبا التهدئة: عودوا الى بيوتكم! لكنهم لم يعودوا، بل إن ما حصل أن فؤاد السنيورة بدا محرجا، فانسحب من تحريضه وتبرأ ممن حرضهم علنا. هنا بدا الصراع واضحا داخل 14 آذار بين السنيورة والحريري على الزعامة السنية، وبينهما أحمد الحريري، وبين جعجع والجميل على الزعامة المسيحية، وبين آخرين انفلتوا من أية قيادة وفتحوا على حسابهم. وآخر الهمّ وسام الحسن.
في الجبهة المقابلة، انعش التصرف الطائش أسهم الرئيس ميقاتي، بل وأكسبه تعاطفا دوليا. وبدا ميشال عون متماسكا جدا وهو يعود الى قواعده العسكرية المبدئية: “الجندي الذي يسقط أثناء أداء عمله، هو شهيد الوطن ولا يحق لأحد مصادرته”. وخرج جنبلاط ذكيا ومفضوحا كعادته: “نريد توجيه الاتهام الى سورية وهم خربوا الأمر بمهاجمتهم الحكومة”. وبهذا التصريح الجنبلاطي يفهم أكثر إصرار الحريري على التهدئة. هذا فيما وجد حزب الله فرصته الذهبية في التذكير بما كان يقوله فريق 14آذار عندما نصب هذا الفريق خيامه في ساحة السراي للمطالبة سلميا برحيل حكومة السنيورة، خاصة أن أي عمل عنف أو شغب لم يحصل طوال فترة الاعتصام ولم يتجاوز احد الخط الاحمر باتجاه السراي. لان المباني الرئاسية موزعة وفق التوزيع الطائفي ايضا في بلد لا نعرف سواه له رئاسات ثلاث، ومحرمات ثلاث.
واذا كان السؤال مطروحا: هل سيكون لبنان بذلك ساحة لإطالة أمد الصراع السوري ولو بطرق اخرى تعتمد على هشاشته؟ فإن الجواب هو ان لبنان ليس ساحة جديدة بل امتداد قديم – جديد. فهل سيكون الجديد في خلخلة دول عربية مشرقية اخرى ام في مالي، في ازواد، ام في الجزائر ام لدينا في الاردن؟
هنا يظهر الرابط مع الشبكة التي لن تكون الوحيدة في الأردن. وليس ببعيد عنها انفجار باب توما في دمشق يوم الأحد فاستقرار المنطقة مطلوب رأسه ونسيجها الاجتماعي مطلوب تدميره. ثم، الى أين ستذهب الخلايا التي جندت لسورية اذا ضاقت ساحتها هناك؟ ماذا ستفعل الخلايا النائمة واليقظة، وبرؤية أعمق الكثير من المقهورين والمكبوتين الذين يندفعون الى الدمار والقتل؟