في كل الاتجاهات انطلقت رسائل الكلمة القصيرة التي وجهها السيد حسن نصرالله مساء الخميس، حول مسالة الطائرة التي اخترقت الاجواء الاسرائيلية حتى ديمونا.
رسائل كان الكثير اقل مباشرة من الرسالة الرئيسية التي لا يشبهها الا دخول الاستشادي احمد قصير عام 1982مقر القوات الاميركية في بيروت وتفجيره بمن فيه، او عملية تفجير السفينة البحرية الاسرائيلية في البحر خلال حرب 2006.
الشبه هنا لا يقتصر على مجرد استعراض قوة، واختراق الجيش الذي كان يوما اسطورة ” الذي لا يقهر”، بل ان استمرار العمليات بهذا الشكل المتنامي: من اختراق موقع عسكري، الى قصف واغراق هدف بحري، الى اختراق المجال الجوي البري، وبالتحديد حتى ديمونا. هو عملية مدروسة بدقة بالغة في اطار ما يسمى في الحرب النفسية: ب عملية كسر الهيبة “. وهو مفهوم اعتمدته عصابات الهاغانا في مواجهتها مع الانكليز خلال الانتداب اولا ( اعدام الضباط الانكليز واغتيالهم ) ومن ثم مع العرب، وطالما حذرمنه الاسرائيليون في الاتجاه المعكوس.
واذ نقول مدروسة فانما لا نعني الجانب العسكري لاننا نتركه لاهله، ونقف عن الجانبين النفسي والسياسي.
فمن المؤكد ان الطائرة لم تكن لتريد التعرض ليديمونا، ولكن الخبر كله، كان سيفقد خمسين بالمئة من اثره النفسي لو لم تكن في صياغته كلمة ديمونا، ولو لم نر على الخريطة الافتراضية على الشاشات والصفحات، صورة اقتراب الطائرة من ديمونا. ذلك ان عدم التعرض عسكريا لا يعني ان اخذ الصور والتقاط المعلومات هو امر يستهان به.
غير ان كل هذا التحليل لا يغني ولا يثمر في دخان الخوف الاسود الذي سيخيم على قلب كل اسرائيلي، ايا كان مكانه، لان أي مكان لن يكون محصنا بقدر ما هي عليه ديمونة وطريقها. وعندها تصبح مصداقية التهديد بحيفا وما بعد بعد حيفا، مصداقية لاتعتمد فقط على قناعة الاسرائيليين بعدو لا يكذب، وانما على الوقائع الدامغة.
خاصة وان عملية الاختراق هذه تنسف الامان الاستثنائي الذي منحته الادارة الاسرائيلية لجمهورها، عبر قصة القبة الحديدية، فاذا كانت هذه القبة لم تستطع الحماية من طائرة تجميع لبناني، فكيف ستحمي من سلاح ايران او حتى سوريا؟ وهنا لا ياتي من باب العبث ان يكشف السيد عن كون الطائرة من صنع ايراني وتجميع لبناني، بل انه بقوله ذاك، انما يقول انها اقل قدرة من اية طائرة سورية روسية حديثة ومن أي طائرة ايرانية متطورة، نجهل قدراتها.
من جهة ثانية ياتي كون الطائرة طائرة استطلاع ليجعل الافادة منها لتحديد الاهداف التي تتوجه اليها الصواريخ لب الخطورة – والصواريخ هي نقطة التميز في ترسانة العدو المواجه، لبنانيا – سوريا- ايرانيا.
هنا ايضا لا بد من اضافة قضية الروسي: دون ان يعني ذلك اطلاقا ان روسيا ستعادي اسرائيل، ولكن الروس، ككل الدول الكبرى يسعون الى بيع ما تنتجه مصانعهم العسكرية، وعملية اختبار هذه المنتجات واثبات نجاحها هي افضل ما يروجها في السوق، وعليه قال رئيس الاركان الروسي عام 2006، ان احراق الميركافا واغراق الطائرة اعادا الاعتبار الى السلاح الروسي. وفعلا ترتبت على ذلك صفقات هائلة.
ملخص ذلك رسالة الى الاسرائيليين: لا تتحرشوا بايران اولا ولا بسوريا ولا حتى بنا هنا في لبنان لان النتائج ستكون كارثية، والردع اوفر وسائل الدفاع ( ولا يقولن ساذج ان صاحب الخطاب ومؤيديه، هم كاذاعة صوت العرب يستخفون بقدرات العدو العسكرية، بل العكس: لان اسرائيل تملك قوة فلا بد من تكبيل يديها بمختلف الوسائل لتعجز عن استعمالها).
اما في الاتجاهات الاخرى، فان السيد لم يوفر احدا من رسائله: تركيا، وحلمها العثماني للتدخل في سوريا، الجماعات المسلحة في سوريا ومن يسلحها، بعض اللبنانيين، سواء ممن ينامون ويحلمون بالقضاء على المقاومة عبر القضاء على سلاحها، او ممن تحولوا الى قيادات متقدمة للتخريب في سوريا ينظمون المخيمات ويدربون المسلحين ويستقبلون بواخر الاسلحة ويصدرونها الى الاراضي السورية، ويتلقون الاموال الطائلة من الممولين المعروفين. قال لهم ان الحزب لا يزرر اكمامه وينام في البقاع، لا يخجل من الدعم المعلن للدولة السورية وللاصلاحات ( أي ما اعلنه منذ البداية)، ولكنه ايضا لن يترك المواطنين اللبنانيين الثلاثين الفا الذين يسكنون في قرى ارضها سورية وناسها لبنانيون… لن يتركهم يقتلون على يد ارهابيين قادمين من اقاصي الارض، واذا كانت الاجهزة العسكرية اللبنانية تتورع عن حمايتهم كي لا تتهم بالتدخل في الاراضي السورية، والجيش السوري لا يحميهم لانه مشغول بمعركته، فان لهؤلاء الاهالي الحق في الدفاع عن انفسهم ومن واجب الحزب ان يدعمهم.
اخيرا ذهبت الرسالة الى الداخل الانتخابي اللبناني، الى من وصلت احلامهم واحلام بعض العرب الى حد تنصيبسمير جعجع رئيسا لجمهورية لبنان وعل عنقه شريط وسام يتدلى منه راس رشيد كرامي من جهة وراس طوني فرنجيه من جهة ثانية. وهل افضل من هكذا مساواة بين الطوائف؟!!
الحدث اسرائيلي، لكن الرسائل الموجهة الى الاخرين في العالم العربي والمنطقة هي الغالبة في خطاب حسن نصرالله الذي ترك كل الابواب مفتوحة. على كل الاحتمالات ولكنه ترك ما لا شك فيه. احياء المعنويات لدى الانسان العربي العادي، وترك الامل يحطم بلحظة اهراما من الياس تعب التاعبون في بنائها و يفعل المعجزات.