الى ذاكرة عمّان القديمة، الى تاريخ نضال طويل لاجل الاستقلالية لم تحد عنه يوما، وفي اصعب الظروف، عادت رابطة الكتاب الاردنيين، الى اللويبدة. الى جبل اصبح تجمعا لعشرات المقرات الثقافية التي تروي حجارة كل منها قصة طويلة من تاريخ البلد، الى بعد خطوات عن نقابة الفنانين ومسرح اسامة المشيني، ومقر وزارة ثقافة كان جميلا هناك، ولا ندري لماذا نقل الى زاوية طريق معزولة عن كل الجو الثقافي، بدلا من ان يرمم حيث هو، فالدول التي لا تملك ذاكرة تشتريها.
هذه الذاكرة هي ما جعل اللويبدة جبل الثقافة دون ان يعطيه قرار رسمي هذا الاسم.
هل الشارع من يعطي مقر الرابطة الجديد حيويته؟ ام ان الكتاب هم من اعطى الشارع حيوية؟ فالموقع، والحق يقال اكثر انسا وستراتيجية من الموقع القديم في اللويبدة، الذي كان مستعصيا على الترميم. واكثر قربا الى روح الكتاب من موقع الشميساني. والمكان برحابته وعلاقته المباشرة بالشارع، اضافة الى التجهيزات والتاثيت الحديثين اللذين امنتها الهيئة الادارية السابقة، استطاع ان يجمع ميزات المرحلتين: ذاكرة اللويبدة وحيوية وانجاز الشميساني.
غير ان المهم الان، هو الية العمل في المرحلة القادمة واول بند فيها هو الحفاظ على خط الاستقلالية الذي تمتعت به رابطة الكتاب الاردنيين منذ نشاتها، حيث كانت تشكل مع لبنان الاستثنائين الوحيدين بين اتحادات الكتاب في كل من الدول العربية. مؤسسة اهلية لا يشتريها المال ولا ترهبها سلطة ولا تخضع لاية املاءات، او تلبي اية توجهات غير ما يرتئيه اعضاؤها. لقد استطاعت ذلك في اصعب الظروف وحافظت على خطها ولا شك في ان تحدي الزمن الصعب الذي نعيش لن يغير في الامر شيئا.
البند الثاني هو رعاية الحالة الابداعية، وذاك ما يصب في طبيعتها النقابية. وذاك عبر خطين: تنشيط الفعاليات الثقافية، والاعتماد على تبرعات القطاع الخاص الشفافة لتمويلها وعلى العمل التطوعي لانجاحها. اما الخط الثاني فيوجبه الاعتراف بان جسم الرابطة قد حمّل عبر سنوات طويلة ثقلا من الاسماء، التي لا يحق لاحد ان يحدد اهليتها الا لجنة مؤهلة وقانونية معنية بذلك. واذ يلتقي البندان فان اكثر ما نحتاج اليه على الساحة الثقافية كلها هو تنشيط الحركة النقدية والعمل على اخراجها من تخبط المحسوبيات والمراعاة، فلا تطور ثقافيا في اية ساحة بدون تفعيل الحركة النقدية. تفعيل يتخذ عشرات الاشكال منها مثلا اقامة ملتقى نقدي اسبوعي او نصف شهري على هيئة الملتقى الفكري الذي يقام يوم الثلاثاء ويصار الى نشر مجرياته في الصحف. وعلى موقع الرابطة.
اما البند الثالث، فهو تفعيل النشاط الهام المذكور الذي تقيمه الرابطة حول التيارات الفكرية، لان مناقشة الفكر، وصراع الافكار والتيارات بطريقة علمية عميقة هو وحده ما يمكن ان يخرج الناس من دائرة الصراعات الصغيرة: اقليمية او طائفية او محسوبية… وربما الاسترزاقية ( اذ لم يعد يخفى على احد كيف يحرك التمويل الاجنبي والعربي توجهات ويقلب توجهات، ويجعل من لامبالين مناضلين ومن مناضلين مرتدين ) ولن نكون رومانسيين لنقول ان الجدل الفكري سيصلح حال الامة بمجرد التئام خمسين مهتما في الرابطة، لكننا لن نكون عميان لنقول بان ذلك عديم التاثير سواء في احياء روح الكبار او في اجتذاب روح الشباب الى عالم اكثر رقيا. ولكم اذكر هنا عبارة من كتاب عالم صوفي ( تاريخ الفلسفة ) الذي قمت بترجمته عندما يقول الاب لابنته التي يرسل لها رسائل تعليم الفلسفة: عليك ان تعرفي هذا، كي لا تكوني قشة تعوم على وجه ماء الحياة!
اما النقطة الاخيرة وهي صراع الاتجاهات السياسية بين الاعضاء، فذاك امر طبيعي حتى في نقابة صيادي سمك، ولكن اطاره الحقيقي والحضاري هو: حرية الراي وتعدديته، حضارية النقاش والجدل، عقلانية وهدوء التناول، واحترام الاخر بل قبل ذلك احترام الذات: الوسائل والاساليب والدوافع. وكم يشتاق المرء الى ايام كانت تخاض فيها الانتخابات الادارية في الرابطة على اساس منافسة حقيقية بين التيارات والتنظيمات السياسية دون اي اعتبار لامور اخرى كان يبدو ان الوعي السياسي والثقافي قد تجاوزها، لكنها عادت الى السطح بشكل سافر واصبح على كل مخلص ان يحاربها.
بالامس جاء اكثر من ثلاثمئة كاتب يحتفلون بالافتتاح، لم يحضر معهم اية جماهير غير معروفة الوجوه ولم تحضر معهم ثلاثمئة كاميرا لتثبت انهم موجودون، لم يكن لديهم من حسابات ظهور يقدمونها لاحد. حضروا بتعدديتهم الفكرية والابداعية والسياسية، فالمؤسسة لهم جميعا وفي اطارها يخوضون خياراتهم ومعاركهم.