هل اصبح الاعلام هو الحائط الواطي لغوغاء الشارع العربي؟ هل تعني الثورات اخضاع السلطة الرابعة لسلطة الاجرام الارهابي الذي يندرج من الاعتداء على المبنى كما حصل لتلفزيون الجديد الى تقييد الاطراف والذبح كما حصل مع الزملاء في الاخبارية السورية؟ هل كان المسلحون الذين قتلوا الزملاء السوريين ينفذون قرار الجامعة العربية بخنق صوت الاعلام السوري؟ هل كان الاعلاميون في الاخبارية يحملون سلاحا او يقاتلون بغير الكلمة؟ بل هل ان الاعلام السوري قد تطور في خطابه ومصداقيته بحيث لم تعد كبريات الفضائيات العربية الهادرة الملعلعة ضد سوريا قادرة على موازنته مما فرض محاولة اسكاته بالقتل والتدمير، بما لا يذكرنا الا بما فعله الجيش الاسرائيلي بقناة المنار في حرب تموز 2006؟
في مقاربة اعلامية بحتة نقول: اين اتحادات الصحافيين العرب؟ اين اتحاد الصحافيين الدوليين؟ اين منظمة صحافيون بلا حدود؟ اين الجامعة العربية لتتحمل دورها كجهة اعطت بقراراتها وحزمتها ال16 ضد الاعلام السوري الضوء الاخضر لقتل الصحافيين؟
انها حرب الكلمة، وقد دخلتها الازمة السورية في بدايتها بانعدام كامل لتوازن القوى، حيث كانت الفضائيات النافذة في العالم العربي جزءا من ترسانة الحرب ضد سوريا، تمارس دورها التحريضي بدون أي تحفظ او مصداقية او احترام لامانة المهنة او أي حساب لوجود الصوت الاخر. خاصة وان الاعلام السوري كان يعتبر – بالمعايير المهنية – غير قادر بخطابه على الوصول الى الناس بمصداقية.
لكن هذا الاعلام تطور كثيرا خلال الفترة الاخيرة، فترة الازمة، وبشكل خاص الاخبارية السورية التي اعتمدت اسلوب التقارير السريعة العالية المهنية، والتنوع التراتبي بين الخبر والتحليل والتعليق ونقل الصحافة المكتوبة، كل ذلك بمستوى مهني نشهده للمرة الاولى في سوريا وربما في الكثير من الدول العربية. وبمعيار مهني ايضا، تراجعت شعبية ومصداقية قنوات كانت تتربع بلا منازع على العرش العربي، وابرز دليل على هذا التراجع الصراخ المسعور الذي يتزايد اكثر فاكثر على شاشاتها، وغياب اهم المذيعين والمذيعات الاكفاء الذين كنا نعرفهم على الشاشة ليحل محلهم شباب – وغالبا صبايا – يفتقرون الى ابسط معايير المهنية وتكاد الواحدة منهن تقفز من الشاشة لتمسك بخناق ضيف تجرا واختلف مع تعليمات ادارتها.
ذاك الى جانب بروز ظاهرة جديدة، معروفة في علوم الميديا بما يسمى ” مادة مجهول الهوية ” أي المادة التي لا تحمل توقيعا او التي تحمل توقيع اسم مستعار. وهي، من الناحية العلمية، اقل المواد مصداقية وتاثيرا، حيث ان اللجوء اليها يمر على مدى فترة قصيرة، يبدا بعدها المتلقي في التساؤل عن مدى جديتها، خاصة المتلقي الذي ينتمي الى شريحة الخصم او المحايد، وهي الشريحة المستهدفة اساسا بالعملية الاعلامية.
وعندما تعرضت هذه السردية الى اهتزازات قوية، من مثل فضح اكاذيب وتلفيقات وكشف حقيقة الاسماء الوهمية، والفبركات الاخبارية. والرد العقلاني الهادىء على ما يساق في التحليلات والحوارات، راحت زاوية الانحدار تنزل اكثر فاكثر وبحدة نحو الهاوية.
وهذا ما كانت تفعله الاخبارية، وبنسب متفاوتة، وسائل الاعلام السورية بحلتها الجديدة: خطاب يحمل دائما توقيع ووجه صاحبه، وتحليل وتعليق لاسماء معروفة وموثوقة، والاخطر فضح بالصوت والصورة والوثيقة لتلفيقات محطات التحريض كما لا يرد في فيلم هوليودي.
لم يبلغ هذا الاعلام بعد حالة المثالية، ولكنه ياخذ طريقه الجادة في التطور والصعود، ولذلك كان المطلوب هو اسكاته. بعصاة الجامعة العربية وعربسات!… لكن فعاليتها محدودة فثمة اقمار اخرى. بتحضير قنوات مزورة!… لكن امرها افتضح. اذن فبالرصاص والنار والسكين، في اسلوب جرمي لا يجوز ان تسكت عنه كل المنظمات المسؤولة عن حرية الصحافة في العالم العربي وفي العالم، والا فان كلا منها معرضة للعنف المشابه.
في البدء كانت الكلمة، وحتى النهاية لا يجوز محاربة الكلمة الا بالكلمة، وكل من يسكت على الخروج عن هذا القانون هو شريك في الجريمة.