ليس الصراع الدولي على افريقيا جديدا، وليس ارتباط العالم العربي بالقارة السمراء كذلك، فدول المغرب العربي هي دول شمالي افريقيا، ووادي النيل نصفه افريقي، وتليه بعض الدول الاخرى.
غير ان هذا الارتباط الجغرافي الشعبي، اقام ايضا ارتباط قضايا تتدرج من القضايا الكبرى التي تتتمثل في الاستعمار والعالمثالثية، الى القضايا الخاصة وعلى راسها القضية العربية – الاسرائيلية. بدءا من تردد الصهيونية بين اوغندا وفلسطين، وصولا الى صراعات الهيمنة الاسرائيلية مع الوجود العربي في مختلف دول القارة. صراعات لا تقتصر على المصالح الاقتصادية وانما ايضا على اهداف سياسية حيوية من مثل السيطرة على منابع ومجرى النيل، وعلى الثروات الطبيعية في القارة.
واذا كان الزعيم القذافي الراحل قد بدا اكثر المتحمسين للبعد الافريقي، فان التحليلات الستراتيجية التي ظهرت مؤخرا تربط قضية ليبيا، في بعد من ابعادها بحرب المياه، التي كان هؤلاء الستراتيجيون يعلنون عن بدئها منذ عام 1991. رغم ان الحقيقة هي انها اقدم من ذلك، وليست حرب 1967 الا واحدة من تجلياتها. ( سد المقاولين العرب )
الماء والنفط والغاز وسائر الثروات الطبيعية، وتحتل افريقيا مكانتها في امننا القومي، كما تحتلها بالنسبة لجميع القوى القديمة والجديدة التي تحلم باكتساب مواقع تؤمن لها التوازن مع زميلاتها الصاعدة الى حلبة نظام دولي جديد، متعدد الاقطاب.
في خضم هذا الصراع كانت التيارات الاسلامية الصاعدة في المجتمع العربي اول من انتبه الى امكانية اكتسابها قوة هناك بفضل الامتداد الديني، ربما مستفيدة من تجربة الاوروبيين. ولذا راينا دلالة محددة تتمثل في اثارة محطة الجزيرة للقضايا الافريقية بشكل مكثف منذ عام 2004، اي منذ بداية تحول المحطة باتجاه خط اسلامي سياسي مبرمج. واذا كانت ادارة المحطة قد ارادت ان تمرر ذلك تحت عنوان القضايا الانسانية فان المفكر فهمي هويدي فقد كتب في كتاب (روح الجزيرة)، بمناسبة العيد العاشر للمحطة، يقول: “اتمنى ان توسع الجزيرة من اهتمامها بالدائرتين الاسيوية والافريقية، خصوصا المسلمين المقيمين هناك، الذين لا تلتفت اليهم الا اذا حلت بهم كارثة “.
لا شك في ان هذا الاهتمام مطلوب لكل الاسباب السياسية والاقتصادية والامنية التي ذكرت، ولكن شرط الا يتحول الدخول العربي الى افريقيا وسيلة لخدمة اهداف غير عربية، والا يصار الى توظيف الانتماء الديني الاسلامي في القارة لاثارة حروب اهلية تدمرها كما يحصل حاليا في نيجيريا، دون ان تنفع في ذلك حجة ان الغرب يستعمل العنصر المسيحي، فهل نريد ان نقتدي بجلادينا؟ وهل نوظف الاسلام الحنيف لغايات استعمارية كما فعل الغرب بالمسيحية منذ الحروب الصليبية؟
من جهة ثانية راينا بالامس تونس تشارك للمرة الاولى باعمال القمة الافريقية في اديس ابابا،وسمعنا الرئيس المرزوقي يقول: ” نحن افارقة بالكامل”. مضيفا: ” نحن واثقون تماما بان افريقيا هي ارض المستقبل للاستثمارات التونسية وسنرمي بثقلنا في هذا المجال”.
لا ماخذ على هذا التاكيد على الافرقة ( خاصة وانه لم يضعه في تناقض مع العروبة) ولا يعيب النظام التونسي الجديد ان يفكر بحل مشاكله الاقتصادية عبر التعاون مع افريقيا. لكن ثمة سؤال يطرح نفسه حول اثارة المرزوقي قضية عودة المغرب الى منظمة الوحدة الافريقية، حيث يمكن ان تبدو هذه الدعوة دعوة ساع الى المصالحة والوحدة، ويمكن ان تفهم ترجمة لتحالف حكم اسلامي تونسي مع حكم اسلامي مغربي، وفي الحالين لا اعتراض على ذلك. لكنها يمكن ان تفهم ايضا مدخلا لاثارة خلافات بين المغرب والجزائر، حيث كان انسحاب المغرب اعتراضا على قبول جبهة البوليساريو. وهذا امر يجب تسويته بين الدولتين العربيتين – الافريقيتين، ولا يكون دور تونس ايجابيا الا اذا سار باتجاه التوسط غير المنحاز، الذي لا يترك مجالا للقول بان هذا الموقف هو استفزاز للجزائر التي يقول وزير خارجية قطر ان دورها قادم بعد سوريا.، ويعرف الجميع كيف يسيل لعاب القوى الغربية عند تصور غازها وثرواتها، خاصة الفنرسيين الذين لم يستوعبوا بعد خروجهم منها، ولا شك انهم يحلمون بحل مشاكل اقتصادهم على حسابها.