لاول مرة يستعمل تويتر للاعلان عن اغتيال قائد ما. وبذا تكون حرب غزة الاخيرة قد احتلت مكانها على خريطة الاحداث التي اعتبرت محطات تاريخية في مجال تطور الاساليب الاعلامية، بل والحروب الاعلامية. حيث انه من المعروف ان تطورالاعلام، نظريات وتطبيقات، قد ارتبط تاريخيا بامرين: الانتخابات والحروب او الثورات. من هنا يطرح السؤال المركزي حول اختيار اسرائيل لهذا الحامل الاتصالي، فهل هو دخول على خط وسائط تخرج عن سيطرة السلطات الرسمية، بما يمكن الجانب الاخر، الفلسطيني هنا، من المنافسة في التواصل عليها؟ ام انه استعمال لوسيلة غربية بطبيعتها، وتحتل اسرائيل في مجالها، مجال تكنولوجيا المعلومات، موقعا بالغ الاهمية لا يمكن مقارنته بمكانة العالم العربي؟
لا شك في ان نشر خبر اغتيال الجعفري على تويتر قد ساهم في تسويق اعتماد هذه الوسيلة الاتصالية، كما ساهم – وذاك هو الاهم- في منحها مصداقية قيّمة، وذاك ما يستفيد منه كل متصفح ولكن بنسب مختلفة، نسب تصب في نهاية الامر في صالح من يسيطر على تقنيات المعلومات هذه، ويتمكن بالتالي من توجيهها وتوظيفها في امور اقل انكشافا ووضوحا من الشان العسكري المباشر. سواء في هذه المواجهة او في سياق المواجهة المستمرة التي تتغير فيها الوسائط والاساليب وتبقى الاهداف هي هي.
ولنبدا بما هو قريب من العسكري: الحرب النفسية، التي تبرع الجهات الصهيونية فيها، ولم ينافسها فيها عربيا الا حزب الله بدليل عشرات الرسائل الجامعية الغربية والاسرائيلية التي دارت حول هذا الموضوع. في سياق الحرب النفسية هذه تعمد الجيوش، في العادة الى نشر صور الحشود والاليات العسكرية، وترسيخ صورة تفوق القوة العسكرية للطرف المعني، لكسر معنويات الطرف الاخر. وفي حرب غزة تحقق هذا بالحرف، بل تجاوزته الحرب السيكولوجية الى نشر صور الغارات والخسائر والدمار، صور كثيرا ما تساهم الفضائيات العربية في تسويقها وتعميمها وتكرارها، بما يبدو في الظاهر مرضيا لبعض المتلقين الذين يجدون في ذلك ادانة لاسرائيل ولجيشها، متناسين ان التاثير النفسي الذي تتركه، من خوف واحباط وكبت يفوق بكثير تاثيرا لا نحتاجه باي حال وهو الاحساس بالعداء للدولة العبرية. وذاك ما عبر عنه جابوتنسكي منذ المانيفستو الشهير: جدار الفولاذ، بالقول اننا ( الصهاينة ) لن نتخلص من مقاومة الفلسطينيين الا اذا قضينا على اخر بارقة امل لديهم. ولنتوقف هنا عند ملاحظة مهمة وهو انه يمكن لتاثير هذه الصور ان يكون مفيدا في ادانة اسرائيل فيما لو كان الجمهرو المستهدف هو جمهور اجنبي. غير ان واقع المعارك على الارض كثيرا ما يحور المقاصد وهكذا انقلبت الحرب النفسية الاسرائيلية على الاسرائيليين انفسهم، عندما انصبت الصواريخ على المدن المحتلة، معيدة الامل للفلسطينيين والاحباط للاسرائيليين.
من جهة ثانية ربح الفلسطينيون نقاطا، خاصة لدى الاعلاميين الغربيين، عندما تخلوا عن الحد من حرية الصحفيين، وتركوا لهم الحرية الكالملة في الوصول الى الاماكن التي يريدون وتصوير الاحداث والاعتداءات، في حين كانت السلطات الاسرائيلية تؤطر الصحافيين ولا تتركهم يعملون بحرية اذ تحدد لهم الوقت الذي يعملون فيه وتفرض عليهم المرافقة وتقدم لهم صورا جاهزة تعويضا عن منعم من التصوير، صور رفضها الكثيرون منهم، وعادوا الى بلدانهم ومؤسساتهم يتحدثون عنها، خاصة على الشاشات.
ربما لم تكن هذه المعادلة الجديدة مقصودة في الجانب الفلسطيني، حيث قال مراسل فرنسي: كنا نتحرك بحرية لاننا لم نكن نرى احدا من المقاتلين والرسميين، ولا نعرف اين هم. غير ان ذلك لا يغير في النتيجة. خاصة وان قصف المقر الاعلامي في غزة قد جاء ليضع الجيش الاسرائيلي في مازق كبير لا ينفع فيه التحجج بوجود اربعة عناصر من الجهاد الاسلامي داخل المبنى.
محطات اعلامية، تشكل مفاصل سيتوقف عندها التاريخ السياسي، العسكري والاعلامي، وعلينا ان نتعلم منها للمستقبل.