بين ان يوظف الانتصار الفلسطيني الاخير لشد اللحمة الفلسطينية واعادة وصل ما انقطع طوال سنوات ووضع فلسطين امام خطر تجزئة الجزء الصغير المتبقي منها، وان يوظف هذا الصمود لزيادة الشرخ اثر احساس فصيل من الفصائل بانه بات قادرا على الغاء الاخر، ثمة فارق كبير وخطر كبير تحذر منه الدماء والالام التي قدمها الناس. واذا كانت وحدة الفصائل قد تجلت في الحالة القتالية، حيث انشا في غزة مكتب عمليات مشترك، واختلطت الدماء والانفاس كما هو الوضع الطبيعي، فان الاستثمار السياسي قد لا يصب في ذات الاتجاه. في وقت تحتاج فيه فلسطين الذاهبة الى الامم المتحدة الى اقصى حدود الوحدة والصلابة، كما تحتاج الى استثمار التعاطف الدولي الذي نجم عن احداث غزة.
وبمراقبة بسيطة لوسائل الاعلام، نجد ان اسماء جميع الذين قاتلوا وصمدوا تغيب كليا لصالح ذكر حركة حماس وحدها. وحتى لو لم تكن الحركة هي من يصمم هذا، فان نتائجه معروفة واولها عزل الفصائل الاخرى عن منطق المواجهة وشرفها، وعزلها عن المشاركة في القرار السياسي لما بعدها، مما يولد احساسا بالغبن والمصادرة لا يلبث ان ينعكس سلبيا على النضال الوطني برمته.
واذا ما ادرجنا ذلك في سياق الربيع العربي، وربطناه بزيارة امير قطر الى غزة والعلاقة الخاصة بين نظام الاخوان في مصر وحركة حماس، فان هذا الاستفراد قد تصبح له اثار اكبر. فرموز السلطة الفلسطينية قد اخذوا زيارة الامير القطري على محمل يتجاوز مسالة دعم غزة التي تعاني من الحصار منذ ست سنوات ولم يتحرك لزيارتها احد، بل اخذوها على انها رسالة سياسية فحواها العميق ان المطلوب عربيا ودوليا هو التعامل مع القوة الاساسية في الوسط الفلسطيني واهمال القوى الاخرى لاسيما السلطة التي تبدو منهكة، خاصة وان الزائر هو الذي ترعى بلاده دورا محوريا في رعاية التيارات الاسلامية فيما بعد الربيع العربي، لاسيما تلك المحسوبة على الاخوان. بعد زيارة الامير القطري حصل العدوان وتسابق المسؤولون العرب، ولاول مرة لزيارة القطاع، وكانهم يلعبون على وترين معا: منهم من جاء يؤكد تلقف رسالة الامير القطري، ومنهم من جاء ينافسه على حجز مقعد في قاطرتها، فيما بدا وكانه، في الحالين، انتصار لحماس. لكنه قد يبدو انتصارا على السلطة اكثر مما هو في الواقع انتصار على اسرائيل. والمطلوب عكس ذلك. وها نحن نشهد بالامس نشر حكومة غزة لعناصر من الشرطة على الحدود مع اسرائيل للحفاظ على التهدنة، والى اجل غير مسمى. كما سبق وفعلت السلطة في الضفة الغربية.
من جهة ثانية جاء الاعلان عن ارساء قطر لمحطة تصفية غاز على الشواطىء المصرية، ليؤكد على التحليلات التي ربطت بين زيارة الامير الى غزة وموضوع استخراج الغاز من بحرها على يد شركات لا يعرف احد جنسيتها حتى الان، وقد تكون متعددة الجنسيات، وقد تشارك فيها اسرائيل ولا شك ان النصيب الاكبر سيكون لقطر او للشركات التي تدعمها والتي تعمل فيما يسمى بمثلث الغاز: قبرص – اسرائيل – غزة، والذي يقف جغرافيا، وربما سياسيا في مقابل ثنائي غاز متوسطي اخر هو: لبنان – سوريا، خاصة بعد ان تم تلزيم الغاز اللبناني لثلاث شركات اجنبية. وبذا ستكون غزة موضوع اهتمام اخر، ومحور تهدئة من نوع اخر، وقد يؤدي ذلك الى نوع من الرخاء الاقتصادي، او على الاقل الحلحلة، في واقع تامين مداخيل كبيرة لا تستند الى المساعدات الاجنبية والدول المانحة، وذاك ما يجب ان يفيد منه، منطقيا، الشعب الفلسطيني بكامله، في غزة والضفة، وان يدعم موقف فلسطين في ذهابها الى الامم المتحدة، لا ان يشجع على بقاء الانقسام الحاصل، وعلى استمرار الصراع على السلطة والحكم، في ظل عقلية الاقصاء بحق المكونات الاصغر للمشهد السياسي والنضالي الفلسطيني.