لماذا تتبرع واشنطن بوست بالحديث عن دور جماعات القاعدة في سوريا؟ صحيح ان القاعدة موجودة، ولكن ما هو معروف ايضا انه سواء كان الامر قاعدة او غيرها، فقد بات من الواضح ان اكثر من يقاتلون، يفجرون ويدمرون هم من غير السوريين، وهذا ما يرفع نسبة التدمير والوحشية لان من يقاتل غرباء يكون اقسى عليهم، ومن يدمر بلادا ليست بلاده لا يرحم عمرانها ولا ناسها، ومن جاء مشحونا بحقد مذهبي او طائفي هو غير الذي يقاتل لاجل الاصلاح او التغيير. من جهة ثانية، لماذا لا تذكر بوست مقاتلي الشركات الامنية، وقد ترك منهم الاميركيون بعد الانسحاب من العراق ما يزيد على مئتي الف في المنطقة، من مثل بلاد ووتر وغيرها. ليطرح السؤال: من الذي يمول ( وبالتالي يدرب ويسلح) كل هؤلاء؟
واذا كانت بوست تربط ذلك بالجهاديين القادمين من العراق، فانها لا تلبث وان تقول ان باب الهوى تحول الى تجمع لهؤلاء، بعد ان حاولت الحكومة العراقية منع تسللهم من العراق عبر اقفال الحدود وزيادة ضبطها؟ وهنا يبرز ارتباط التفجيرات الدموية التي حصلت في بغداد خلال الايام السابقة بعملية المنع هذه وبموقف العراق في مؤتمر وزراء الخارجية العرب. ومن هنا يبرز سؤال اخر: لماذا اصبحت التفجيرات التي تحصل في العراق امرا مقبولا وعاديا، يمر في الاعلام وكانه لم يمر على الارض ويحصد الاف الضحايا؟ لماذا يموت مئات العراقيين كل يوم ولا نابه لهم؟ هل تعودنا موت العراقيين وبات علينا تعود موت السوريين، كما تعلمنا قبلها وعلى مدى ستة عشر عاما تعود موت اللبنانيين؟ وهل ان ما يحضر لسوريا “ما بعد الاسد”، وفق التعبير المستعمل بشكل متكرر، تطبيقا لنظرية الدق على المسمار حيث يتعمق اكثر مع كل ضربة جديدة، هو عراق جديد او لبنان جديد، او انه سيكون جزائر جديدة؟
ما بعد الاسد تعبير عادي عندما ياتي في سياق حياة سياسية طبيعية، لان لكل رئيس مرحلة، وما بعدها ولكل برنامج سياسي مدة وما بعدها. غير ان الامر هنا لا يعني تغير الرئيس كما ينتقل الامر من ساركوزي الى هولاند، ولا يعني اصلاحا سياسيا ينقل البلد من حالة قانونية وسياسية معينة، الى حالة تتحقق فيها اصلاحات مطلوبة، تقود البلاد الى مرحلة جديدة. بل انه يعني انتقال البلاد من حالة سيادية الى حالة بدون سيادة، ومن خط قومي عربي الى خط تابع للغرب، ومن ايديولوجية عداء مع اسرائيل الى استسلام وتطبيع،. والاهم وبالتلازم، تدمير الجيش العربي عبر تغيير عقيدته العسكرية، بحيث تنتزع منها مركزية العداء لاسرائيل، وتخفيض عدته وعداده، وتحويله الى قوات امن وعملاء لاميركا. انه يعني انتقال البلاد من اقتصاد انتاج يعزز الاستقلال الغذائي والاقتصادي الى اقتصاد استهلاك، وبرامج صندوق النقد الدولي، ودخول البلاد في اغلال الديون الخارجية. ومن برامج تنمية تسير ببعض الاخطاء الى برامج تدمير كلي كلها خطا، ومن طاقات نفط قليلة وطاقات غاز كبيرة قادمة سواء انتاجا ام ممرا، الى حرّاس لصوص على هذه الثروات يحرسونها لصالح الشركات الغربية والمتعددة الجنسيات، وياخذون نسبتهم الضئيلة لقاء عمولة او عمالة. من ثقافة عربية اصيلة الى ثقافة مضعضعة ومدمرة، ومن ثقافة شبه علمانية في تعدديتها واحترامها للاديان في اطار المواطنة، الى ثقافة مذهبية وطائفية صدامية رافضة للاخر. واخيرا وصولا الى تدمير وحدة الدولة وسيادتها وتحويلها الى كانتونات، ان لم يعلن تقسيمها رسميا ودوليا، فهي انما تصبح كذلك بفعل الامر الواقع. وعندها لا باس من مسرح دمى تدور عليه مسرحية ديمقراطية بكل اجراءاتها، اللهم الا احترام المعنى الاول للديمقراطية: المواطنة، والسيادة. مسرحية تبدا من الدراماتورغ الذي يضع تصور النص ومعناه وسيناريوهاته، وتنتقل الى المخرج الذي يترجم رؤيته هو بتحريك الدمى ( وحتى الممثلين ) ولكنهم جميعا يظلون محكومين بالمنتج، صاحب المال الذي يدفع للجميع.. وكلهم من خارج المسرح.
نعم نريد ديمقراطية لسوريا، ولغيرها. وبشكل تفصيلي، نريد حرية التعبير، وحرية الاحزاب، وبعدهما حرية الانتخابات، وتداول السلطة، نريد تصحيح السياسات الاقتصادية.. ولكن نحو مزيد من السيادة، ومزيد من الوطنية، ومزيد القومية، ومزيد من صلابة المواجهة مع الاعداء والطامعين، ومزيدا من الوحدة الوطنية.. لكننا لا نريد ابدا نقل الاخراج العراقي او الليبي الى عاصمة الامويين في حين نرى ان الحراك الشعبي السوري بدا سوريا لاجل تلك الاهداف الوطنية، ثم تم اقصاء المخلصين والصادقين و…السوريين، لتصبح الاهداف وما يحصل على الارض نقيضا كاملا لكل ما ذكرنا. الاصلاح قوة، ولا احد يريد القوة لسوريا سواء في الغرب ام في اسرائيل ام لدى العرب الذين يرون في سوريا والعراق نموذجا يقصرون عنه، ولن يبلغوه، لانه تحدي التاريخ والجغرافيا وما صنعاه من انسان.