لا جدال في ان هذه المنطقة من العالم هي عربية، ولكن لا جدال ايضا في انها تضم جغرافيا وحدات اربع، وان هذا الواقع ترجم جيوبوليتكيا بتنافس على موقع المركز. ولننظر الى تاريخ الاسلام، من المدينة الى دمشق الى بغداد الى القاهرة.
واذا كان الوطن العربي ينتمي بدوره الى مركب شرق اوسطي، فانه ذلك يستتبع تأثير كل تطوراته على الامم المحيطة بنا من تركية وايرانية، وعلى مصير الكيان الاسرائيلي الغاصب الذي تحول الى قوة منافسة لا تقف عند حد المنافسة وانما تقوم على اساس الاحلال بالقوة او بالسياسة والاقتصاد والثقافة.
من هنا فان تكليف الاخضر الابرهيمي بالازمة السورية، مرحب به لانه رجل ينطلق من عروبته التي لا يشك فيها احد، وتاريخه يشهد له.
لكن تركيبة ما يسمى الان اللجنة الرباعية، التي تذكرنا بطائف لبنان، يطرح تساؤلات جيوبوليتيكية كبرى حول القوى الاقليمية التي تتحكم بمصيرنا، من دون الكلام اللاحق عن ارتباط كل منها بالقوى الدولية التي تعيش حربا باردة جديدة لتقاسم منطقتنا الحساسة.
مصر، تركيا، السعودية، ايران. واين اهل سوريا الطبيعية او على الاقل بلاد الشام؟
اين الدول ( التي لم نعترف يوما بما فصلّته لها سايكس بيكو، ولنسمها: العراق، لبنان، الاردن وفلسطين. ولكنها فرضت علينا امرا واقعا كنا نناضل لازالته فاذا بنا اليوم نناضل للحفاظ على وحداته او كياناته من تفجر جديد )؟ على الاقل باعتبار ان هذه الدول هي على تماس مباشر، فيزيائي مع سورية الصغرى.
نقول ذلك ونحن نعلم انها تعيش واقعا مرتهنا لقوى اخرى عربية او اقليمية او حتى احتلالية صهيونية، ولكن هل حال الاخرين مختلف؟ هل العراق اكثر ارتهانا لامريكا من مصر وتركيا والسعودية؟
هل لبنان اكثر سعودية من السعودية او ايرانية من ايران؟ هذا عدا عن فلسطين التي لن يغفر لها التاريخ انها باعت مقعدها في الجامعة العربية لقطر في احرج ظرف يتعلق بمصير القضية الفلسطينية.
الجغرافيا والامتداد الديموغرافي يحددان الكثير ويحسمان الكثير، لانهما يربطان المصير، وقد راينا تعقل الاردن ولبنان والعراق في ان تكون الممر او المقر للمسلحين التكفيريين الآتين لاذكاء النار السورية، وحتى التردد في تمرير السلاح رغم الضغوط غير العادية التي تمارس عربيا ودوليا. حذر يمليه الخوف على الذات ان لم يكن الخوف على الامة. والوعي بان النار ان استمرت وامتدت لن تبقى محصورة في مكانها. بينما لم يدخل هذا في حسابات ليبيا على سبيل المثال، او بعض دول الخليج، حتى اليمن، وانما على العكس جاء تصدير الجهاديين فرصة لهؤلاء للتخلص منهم على ارضهم ودفعهم الى البعيد…البعيد، خاصة وان ثمة بعدا ديوغرافيا خاصا يميز سوريا الطبيعية عن سائر العالم العربي، هو تلك التعددية الدينية المذهبية العرقية التي قد لا يكون لها مثيل في العالم، وهذا ما اشار اليه هيثم مناع في حديثه الى الميادين امس، مركزا على انه لا يمكن لهؤلاء القادمين ان يفهموه، وانهم انما يعتبرون السكان ممن يسمى بالاقليات، مغتصبين وكفرة يجب التخلص منهم.
لا نقول اطلاقا ان نخب الخليج والمغرب العربي لا يفهمون تعدديتنا ولا يتقبلونها، فقد كتبت امس عن اصوات قومية صادقة ترتفع من المغرب العربي، من شارعه ومن نخبه، من قومييه خاصة، وهم ليسوا اقلية، حتى وان قصد من سوّق للربيع العربي ازاحتهم الى اخر المشهد، بالمال وبالاعلام. لكن من ذكرت ليسوا هم من ياتي الى سورية للقتال. انهم اصدقاؤنا ورفاق الساحة لاجل الحرية والديمقراطية والوحدة وحقوق الانسان، ليس عبد الاله بلقزيز او محمد عابد الجابري او محمد المسفر او او… من يؤجرون او تغسل ادمغتهم ليدمروا، لا ولا هي جماهير التيار القومي والعلماني او الحداثوي او المسلم المستنير.
بالمقابل، هناك في لبنان وفي الاردن وفي فلسطين وفي مصر من هو مستعد ليس فقط لتدمير سورية وانما لتدمير ساحاته، لكننا نتحدث عن التيار الغالب عن الجو العام وعن الموقف الرسمي الذي مهما شط، لا يتجرأ على اللعب المباشر بالنار، لأنها تأكله.
كلام لا يشمل باي حال من يؤيدون المعارضة السورية السلمية التي تناضل منذ عقود لاجل مطالب اصلاحية، في مجال الحريات والاقتصاد والسياسة والثقافة والاقتصاد…في كل شيء.