بين ان يعقد المجلس الوطني للاعلام في لبنان اجتماعا رسميا مع رؤسا تحرير الصحف والتلفزيونات لبحث مسالة تجاوز وسائل الاعلام للخطوط الحمراء في عملية البحث عن السبق الصحافي، وبين احالة صحافي الى المحكمة في مصر بتهمة الاساءة الى رئيس الدولة، تكمن الشعرة الفاصلة بين حرية الاعلام وانفلاته.
المعيار لا يكمن في الاطلاق والمنع، وانما في ما يتناوله كلاهما، فيما اذا كان الاطلاق يتجاوز القوانين والسلم الاهلي والمصداقية والموضوعية، وما اذا كان المنع لا يرتبط بها كلها وانما بضمان سيطرة تيار ما وشخص ما، واخراس كل من يعارضه. واذا ما كانت حالة الاطلاق – ولا نسميها حرية – جديدة على الاعلام العربي، فان الحالة الثانية قديمة ومالوفة طيلة فترة حكم الخط الواحد والحزب الواحد والشخص الواحد. بل ومنذ فترة الحكم العثماني الذي كان يخشى في الحرية تحرر العرب من استعماره.
في تلك الفترة كانت مصر هي الساحة العربية الوحيدة التي احتضنت منذ مطلع القرن التاسع عشر الصحافة العربية القادمة من كل الاقطار، لسبب وحيد فريد وهو ان الاقطار الاخرى كانت تخضع للقمع العثماني فيما كانت بلاد النيل هي وحدها التي تتمتع بالحريات . كما تتمتع بالقدرة على توحيد التعددية القومية والدينية بحيث نرى سليم وبشارة تقلا، وجرجي زيدان، وروز اليوسف يؤسسون الاهرام والهلال وروز اليوسف… وقس على ذلك. فيما جعل من مصر ارض النهضة العربية وارض الانفتاح وارض الابداع، وذاك ما لا تكونه بغير تلك الحرية والتعددية.
غير ان الحال تبدل بنسب مختلفة، وها نحن الان نشهد اوساط الاعلاميين والكتاب المصريين تتداول في الايام الاخيرة حزمة من التعابير، بعضها: مرحلة سوداء، تكميم الافواه، نذير اسود، مصادرة وإغلاق الصحف وتقييد حرية الرأي والتعبير ومطاردة الصحافيين. احالة الى محكمة الجنايات، الى محكمة الجنح، منع سفر.
فهل بدات معركة الحريات مع نظام جديد، قد لايختلف فيه محمد مرسي عن محمد انور او محمد مبارك؟
فنان الكاريكاتور عمر عكاشة كتب متوقعا مرحلة سوداء، وبشرت الروائية امينة زيدان بنذير اسود، وتوقع الصحافي وليد الشرقاوي تكميم الافواه.
اما عكاشة فاوضح مبرراته بالقول ان الرئيس يتخذ أسلوب الحزب الوطني، بأن يجعل شخص تابع لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنه غير مسجل فيها، يقوم برفع قضية على من يخالفهم الرأي، حتى يصلوا إلى تكميم الأفواه. في حين مضت زيدان الى ان الكارثة هي في اقصاء الكفاءات لصالح الاصدقاء والمحازبين. وذلك تعليقا على اقالة عدد من رؤساء تحرير الصحف وتعيين بدائل مقربة من الحكم مكانهم وعلى راس هؤلاء عبد الناصر سلامة الذي عين رئيسا لتحرير الاهرام ، فرد عدد من من صحافيي المؤسسة وأسر شهداء ثورة 25 يناير، على تعيينه بوقفة احتجاجية، أمام مبنى الصحيفة. وكان الروائي الكبير ورئيس تحرير “الاخبار”، جمال غيطاني قد سبقهم الى نعي مصر، مصر الحضن والرحم الذي تحدثنا عنه اعلاه.
وكانما ليؤكد النظام التوقعات القاتمة فان رؤساء التحرير الجدد بدؤوا مشوارهم الربيعي بمنع نشر مقالات عدد من كبار الكتاب. ثم جاء دور الملاحقات القضائية فاصدر النائب العام المصري عبدالمجيد محمود قرارا بمنع سفر الإعلامي توفيق عكاشة رئيس فضائية “الفراعين” والصحافي إسلام عفيفي رئيس تحرير صحيفة “الدستور” ثم لم يلبث ان احالهما إلى محكمة الجنايات بتهمة إهانة الرئيس محمد مرسي. كما أحال 4 أشخاص آخرين إلى محكمة الجنح بتهمة محاولة الاعتداء على موكب رئيس الجمهورية.
لكن لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، بادرت ودعت القوى الشعبية الاخرى والاحزاب لدعمها. خاصة وان المعركة الحقيقية هي معركة كتابة الدستور الجديد، وتحديده للحريات الصحافية وغيرها. بدات اللجنة بتشكيل لجنة دائمة للدفاع عن حق الشعب المصري في التعبير عن الرأي، وتنسيق كافة جهود اللجنة في استخدام جميع الإجراءات الاحتجاجية السلمية لمواجهة مصادرة وإغلاق الصحف وتقييد حرية الرأي والتعبير ومطاردة الصحافيين. وفيما بدا تهديدا بالتصعيد جاء في بيان اللجنة الذي تلاه وكيل أول نقابة الصحافيين، جمال فهمي، إنها تتمسك بحقها في حجب الصحف وتظليم شاشات الفضائيات كوسيلة احتجاجية على تقييد الحريات العامة.
انها معركة الحريات في مصر. ولكنها معركة الحريات لكل العالم العربي، بربيعه وشتائه وخريفه، لان مصر هي كما يقول نادر فرجاني هي دولة الاقتراح للعالم العربي كله.